مفاوضات السودان بين التعثر والتحركات الدولية: واشنطن تكثف جهودها وسط ضعف أفريقي وتهميش أوروبي

بعد نحو عشرين شهرًا من تعثر جولة المفاوضات غير المباشرة في جدة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، عادت الإدارة الأميركية إلى تكثيف جهودها لدفع الطرفين نحو وقف الحرب المدمرة التي تعصف بالبلاد. وفي حين يرى مراقبون أن التحرك الأفريقي لا يزال ضعيفًا ومترددًا، يسود الاتحاد الأوروبي شعور بالاستياء من تهميش دوره في الملف.
فمنذ اندلاع المعارك في الخرطوم منتصف أبريل/نيسان 2023، تولت واشنطن والرياض رعاية مفاوضات أفضت إلى توقيع اتفاقين يتعلقان بحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية، لكن تلك الاتفاقات لم تجد طريقها للتنفيذ. كما انتهت الجولة الأخيرة من الحوار في نهاية 2023 إلى فشل وتعليق.
وعندما حاولت الولايات المتحدة نقل مسار التفاوض إلى جنيف في أغسطس/آب 2024، رفضت الحكومة السودانية ذلك، مؤكدة تمسكها بإعلان جدة كشرط أساسي لاستئناف أي مباحثات جديدة.
التحرك الأفريقي المرتبك
في يونيو/حزيران 2023، طرح الاتحاد الأفريقي خريطة طريق لتحقيق السلام، غير أن قرار تعليق عضوية السودان ومواقف بعض الدول الأفريقية المتباينة حال دون تنفيذها. كما أخفقت منظمة “إيغاد” في عقد لقاء مباشر بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” نهاية العام ذاته، ما أدى إلى تجميد جهودها.
تحركات أميركية جديدة
في يونيو/حزيران الماضي، استضافت واشنطن اجتماعًا ضم نائب وزير الخارجية كريستوفر لاندو وسفراء السعودية ومصر والإمارات، ضمن “المجموعة الرباعية”. وكان مقرراً عقد اجتماع آخر على مستوى وزراء الخارجية في يوليو/تموز 2024 لوضع مقترح متكامل للسلام، لكن تباين المواقف بين أعضائها حال دون ذلك.
وفي خطوة غير متوقعة، عقد المبعوث الأميركي مسعد بولس لقاءات منفصلة مع البرهان وحميدتي في سويسرا، جرت في أجواء من السرية التامة، دون الإفصاح عن نتائجها.
ضغوط داخلية ومواقف متباينة
أثارت هذه اللقاءات السرية جدلاً داخليًا، إذ طالب القيادي مبارك أردول الجيش بالكشف عن تفاصيلها، محذرًا من استمرار الغموض. في المقابل، أبدى تحالف “صمود” بقيادة عبد الله حمدوك دعمه للمبادرة الأميركية، معتبرًا لقاء البرهان مع بولس خطوة نحو إطلاق عملية سياسية جدية.
أما الاتحاد الأوروبي، فقد أعرب عن استيائه من تهميش دوره، ودفع الاتحاد الأفريقي إلى تفعيل حضوره عبر إعادة إحياء “الآلية الثلاثية” التي تضم الاتحاد و”إيغاد” والأمم المتحدة.
مواقف دولية وإقليمية
شهدت الأسابيع الأخيرة تحركات لافتة للمبعوث الأممي رمطان لعمامرة ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف، إضافة إلى نشاط “إيغاد”. كما رحبت هذه الأطراف بتعيين كامل إدريس رئيسًا للوزراء باعتباره خطوة لتوحيد الجهود نحو وقف القتال.
بدوره، أكد مجلس الأمن الدولي ضرورة تجنب أي تدخل خارجي يزيد الأزمة تعقيدًا، معلنًا دعمه لمساعي لعمامرة. أما مجلس السلم والأمن الأفريقي فأعاد التمسك بخريطة الطريق، مشددًا على أن العودة للنظام الدستوري لا تتحقق إلا عبر عملية سياسية شاملة يقودها السودانيون أنفسهم.
تحديات أمام التسوية
يرى محللون أن مسار السلام يواجه عقبتين أساسيتين: غياب الإرادة الجادة لدى الأطراف لإنهاء الحرب، والتباين في مراكز القرار داخل الدولة بين المكون العسكري وبعض القوى السياسية. ويؤكد خبراء أن التوصل إلى سلام مستدام يتطلب رؤية استراتيجية تضع مصلحة الوطن فوق الحسابات الضيقة، مع الإقرار بأن القوى الدولية لا تستطيع فرض الحلول بالقوة.
في هذا السياق، يسعى الأميركيون لتجاوز الخلافات داخل “المجموعة الرباعية” وتحقيق اختراق سريع عبر خطة تقليدية تبدأ بفتح ممرات إنسانية، يليها اتفاق على وقف إطلاق النار، ثم الشروع في ترتيبات سياسية وأمنية أوسع. غير أن العقبات تظل كثيرة، وأبرزها ضمان توافق الدول الإقليمية المؤثرة حول مستقبل السودان.
إعادة تشكيل المشهد السياسي
يرى مراقبون أن أي تسوية مقبلة ستواجه تحديات إضافية، من بينها إعادة تشكيل المشهد الداخلي بمشاركة القوى المدنية، وتحديد مستقبل قوات الدعم السريع وعلاقاتها، مقابل تحالفات الجيش. كما أن تعقيد الوضع الأمني يزيد من صعوبة فرض أي تسوية.
أما أوراق الضغط الأميركية فتتراوح بين العقوبات والعزل السياسي وصولاً إلى التهديد بتصنيف الجهات الرافضة كمنظمات إرهابية، وهو ما قد يدفع بعض القوى إلى تقديم تنازلات، لكنه قد يؤدي أيضًا إلى انقسامات جديدة.
ويخلص الخبراء إلى أن غياب توافق وطني شامل سيجعل أي اتفاق جزئيًا وهشًا، عرضة للاعتراض والانتكاس، لكنه قد يشكل في الوقت نفسه بداية لمسار أوسع إذا ما تطور بدعم داخلي وإقليمي متماسك.