مشروع المجمع الصناعي والزراعي لإنتاج السكر “فم لگليته”:تعزيز للسيادة الغذائية.. ورهان على المستقبل

صادقت اللجنة الوزارية المكلفة بتطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص برئاسة صاحب المعالي الوزير الأول السيد المختار ولد أجاي، قبل أسابيع، على مشروع استراتيجي طموح يهدف إلى إحداث نقلة نوعية في قطاع الأمن الغذائي الموريتاني.
ويتمثل هذا المشروع في إنشاء مجمع زراعي وصناعي متكامل لإنتاج السكر في منطقة فم لكليته، بتكلفة إجمالية تقدر بـ 446 مليون دولار أمريكي، ليصبح بذلك أحد أكبر الاستثمارات في تاريخ الشراكة بين القطاعين العام والخاص في البلاد.
وجاءت هذه المصادقة على هذا المشروع بعد إزالة التحفظات التي أثيرت في اجتماع اللجنة المنعقد بتاريخ 19 مايو 2025، مما يعكس الدراسة المتأنية والتقييم الشامل الذي خضع له المشروع قبل الموافقة النهائية عليه.
وسيتولى تنفيذ هذا المشروع الحيوي تكتل من ثلاث شركات متخصصة هي: شركة البدري المحدودة للطاقة ، وشركة كنانة للهندسة والخدمات المحدودة السودانية، وشركة ISGEC الهندية العريقة.
ويأتي هذا المشروع في إطار الاستراتيجية الوطنية الرامية إلى تحقيق الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الواردات، خاصة في ظل الاستهلاك المحلي المرتفع للسكر الذي يبلغ حوالي 200 ألف طن سنوياً، مما يضع موريتانيا ضمن قائمة أكبر مستهلكي السكر للفرد في العالم.
ومن المتوقع أن يساهم هذا المشروع في تغطية أكثر من 50% من احتياجات البلد من مادة السكر، مما يمثل خطوة جوهرية نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذه المادة الاستراتيجية.
المعلومات الأساسية للمشروع
( انظر الملف المرفق)
استثمار استراتيجي يعيد تشكيل خريطة الإنتاج الزراعي
يمثل هذا المشروع الطموح استثمارا ضخما في القطاع الزراعي والصناعي الموريتاني، حيث تبلغ تكلفته الإجمالية 446 مليون دولار أمريكي، موزعة على الشقين الزراعي والصناعي للمجمع.
وتشمل هذه التكلفة إنشاء مصنع حديث بطاقة إنتاجية تقدر بـ 5000 طن يوميا، مما يمكن من إنتاج حوالي 106 ألف طن من السكر الأبيض المكرر سنويا، بالإضافة إلى مجموعة من المنتجات الثانوية ذات القيمة الاقتصادية العالية مثل الإيثانول والأعلاف الحيوانية والكهرباء.
ووفقا للجدول الزمني المحدد للمشروع، تقدر المدة الزمنية لبدء الإنتاج الفعلي بثلاث سنوات من تاريخ بدء التنفيذ، وهي فترة تشمل مراحل التطوير، والبناء، والتجهيز، والاختبار.
أما عقد الشراكة فيمتد على مدى ثلاثين عاما، مما يضمن استدامة المشروع وتحقيق العائد المتوقع على الاستثمار لجميع الأطراف المعنية.
وتتميز هذه الشراكة بكونها نموذجا متقدما للتعاون بين القطاعين العام والخاص، حيث تجمع بين الموارد والخبرات الحكومية من جهة، والكفاءة التقنية والإدارية للقطاع الخاص من جهة أخرى.
كما تعكس هذه الصيغة التعاقدية التزام الحكومة الموريتانية بتطوير نماذج استثمارية مبتكرة تحقق التنمية المستدامة وتعزز من القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.
من الاستيراد إلى الاكتفاء الذاتي: مشروع يغطي نصف احتياجات البلد من السكر
يحتل السكر موقعا استراتيجياً في سلة الاستهلاك الموريتاني، حيث تستورد البلاد حاليا حوالي 200 ألف طن سنوياً من السكر الأبيض لتلبية الطلب المحلي المتزايد. وتصنف موريتانيا ضمن قائمة أكبر مستهلكي السكر للفرد في العالم، مما يجعل تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذه المادة أولوية قصوى في الاستراتيجية الاقتصادية الوطنية.
وسيساهم مشروع المجمع الزراعي والصناعي لإنتاج السكر في فم لكليته بشكل كبير في تقليل الاعتماد على الواردات، حيث من المتوقع أن يغطي أكثر من 50% من احتياجات البلد من مادة السكر، إن هذا الإنجاز سيحقق وفورات مالية ضخمة في فاتورة الاستيراد، ويعزز من الأمن الغذائي الوطني، ويقلل من التعرض لتقلبات الأسعار العالمية والاضطرابات في سلاسل التوريد الدولية.
وإلى جانب الإنتاج الأساسي للسكر، سيتمكن المجمع من إنتاج مجموعة متنوعة من المنتجات الثانوية ذات القيمة المضافة العالية، فمن المخلفات الزراعية لقصب السكر، سيتم إنتاج الأعلاف الحيوانية عالية الجودة التي ستدعم قطاع الثروة الحيوانية المحلي، كما سيتم إنتاج الإيثانول الحيوي الذي يمكن استخدامه كوقود بديل أو في الصناعات الكيميائية، بالإضافة إلى توليد الكهرباء من المخلفات العضوية، مما يساهم في تنويع مصادر الطاقة المتجددة في البلاد.
إن هذا التنوع في المنتجات يعكس الرؤية الشاملة للمشروع التي تتجاوز مجرد إنتاج السكر إلى خلق منظومة اقتصادية متكاملة تحقق أقصى استفادة من الموارد المتاحة وتعظم العائد الاقتصادي والبيئي للاستثمار.
خلق فرص العمل وتعزيز التنمية المحلية المستدامة
يتوقع أن يحدث مشروع المجمع الزراعي والصناعي لإنتاج السكر نقلة نوعية في سوق العمل المحلي، حيث سيوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لآلاف المواطنين في منطقة فم لكليته والمناطق المجاورة، وتؤكد رؤية المشروع على أن الأولوية في التوظيف ستكون للسكان المحليين، مما يضمن استفادة المجتمعات المحلية بشكل مباشر من هذا الاستثمار الضخم.
ولا يقتصر الأمر على توفير فرص العمل فحسب، بل يشمل أيضا برامج تدريبية شاملة لتحسين مهارات العمال المحليين وضمان امتلاكهم للمهارات التقنية والمهنية اللازمة للمشاركة الفعالة في المشروع.
إن هذه البرامج التدريبية ستغطي مختلف جوانب العمل في المجمع، من الزراعة الحديثة لقصب السكر إلى تشغيل المعدات الصناعية المتطورة، مما يساهم في بناء قاعدة من العمالة الماهرة التي ستشكل رافدا مهما للاقتصاد الوطني.
كما سيتم التعاون الوثيق مع رواد الأعمال والموردين المحليين لتوفير المدخلات الصناعية والخدمات اللوجستية، بالإضافة إلى شبكات توزيع السكر ومشتقاته في الأسواق المحلية والإقليمية.
إن هذا التعاون سيعزز الروابط المجتمعية ويدعم التنمية الاقتصادية المحلية من خلال خلق سلسلة قيمة متكاملة تستفيد منها مختلف شرائح المجتمع.
إن هذا النهج التشاركي في التنمية يعكس التزام المشروع بمبادئ المسؤولية الاجتماعية والتنمية المستدامة، حيث لا يقتصر الهدف على تحقيق الأرباح التجارية، بل يمتد إلى إحداث تأثير إيجابي ومستدام على المجتمعات المحلية والاقتصاد الوطني ككل.
تحالف ثلاثي بخبرات تمتد لتسعة عقود في صناعة السكر
يتميز التكتل المنفذ لمشروع المجمع الزراعي والصناعي لإنتاج السكر بكونه تحالفا استراتيجياً يجمع بين ثلاث شركات متخصصة في مجالات الزراعة والتصنيع والهندسة، كل منها تحمل خبرات متراكمة وسجلا حافلا بالإنجازات في مجال زراعة قصب السكر وصناعة السكر ومشتقاته، وتتصدر هذا التحالف شركة البدري المحدودة للطاقة، وهي شركة لمساهمين سودانيين، وتتخصص في تقديم خدمات شاملة ومتكاملة في مشاريع النفط والغاز والمشاريع الصناعية والزراعية والبنية التحتية.
أما الشريك الثاني في هذا التحالف فهو شركة كنانة للهندسة والخدمات المحدودة، وهي شركة سودانية متخصصة في الزراعة والإنتاج الحيواني وإنتاج الأغذية والبنية التحتية وإدارة الطاقة.
وقد عملت الشركة في أكثر من 127 مشروعا بأحجام ونطاقات متنوعة.
ويكتمل هذا التحالف بشركة ISGEC الهندية، التي تأسست عام 1933 في الهند، والتي تمتد خبرتها لأكثر من تسعة عقود من الزمن، وتتخصص الشركة في التصنيع وتطوير مصانع السكر.
.
فم لكليته: موقع استراتيجي بمقومات طبيعية مثالية لزراعة قصب السكر
لم يكن اختيار منطقة فم لكليته لإقامة هذا المشروع الاستراتيجي عشوائيا، بل جاء نتيجة دراسات معمقة أظهرت توفر جميع المقومات الطبيعية والجغرافية المثالية لزراعة قصب السكر وإنتاج السكر بكفاءة عالية وتكلفة تنافسية.
وتتمتع هذه المنطقة بمزايا تنافسية فريدة تجعلها الخيار الأمثل لمثل هذا المشروع الطموح، أولى هذه المزايا تتمثل في توفر مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة، حيث توفر منطقة فم لكليته مساحة إجمالية قدرها 17 ألف هكتار من الأراضي عالية الجودة والمناسبة لزراعة قصب السكر.
إن هذه المساحة الواسعة تضمن إمكانية التوسع المستقبلي في الإنتاج وتحقيق وفورات الحجم التي تعزز من الجدوى الاقتصادية للمشروع.
المزية الثانية والأكثر أهمية تكمن في توفر الموارد المائية الوفيرة التي يوفرها سد فم لكليته، والذي يتمتع بطاقة استيعابية تبلغ 500 مليون متر مكعب سنويا، مع إمكانية زيادة هذه الطاقة إلى 1,100 مليون متر مكعب في المستقبل.
إن هذا التوفر المضمون للمياه يحل إحدى أكبر التحديات التي تواجه المشاريع الزراعية في المناطق الجافة وشبه الجافة.
كما تستفيد المنطقة من انخفاض تكاليف الري الانسيابي التي يوفرها موقع السد الاستراتيجي، حيث يمكن الاعتماد على الجاذبية في توزيع المياه على المزارع، مما يقلل بشكل كبير من تكاليف الطاقة المطلوبة للري ويعزز من الكفاءة الاقتصادية للمشروع.
إن هذا النظام الطبيعي للري يضمن أيضا استدامة العمليات الزراعية ويقلل من التأثير البيئي للمشروع.
إن هذا التناغم بين الموارد الطبيعية المتاحة ومتطلبات المشروع يخلق بيئة مثالية لنجاح هذا الاستثمار الاستراتيجي، ويضمن تحقيق أهدافه في الإنتاج والربحية والاستدامة البيئية.
نحو تحقيق الأمن الغذائي المتوازن وتعزيز السيادة الاقتصادية
يمثل مشروع المجمع الزراعي والصناعي لإنتاج السكر في فم لكليته خطوة جوهرية في مسيرة موريتانيا نحو تحقيق الأمن الغذائي المتوازن وتعزيز السيادة الاقتصادية. فبإنتاج 106 ألف طن من السكر الأبيض المكرر سنوياً، سيساهم المشروع في تغطية أكثر من نصف حاجيات البلد من هذه المادة الاستراتيجية، مما يقلل بشكل كبير من الاعتماد على الواردات ويحقق وفورات مالية ضخمة.
إن هذا الإنجاز لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يمتد إلى تعزيز الأمن الوطني من خلال ضمان توفر مادة غذائية أساسية بشكل مستدام ومستقل عن التقلبات والاضطرابات في الأسواق العالمية.
كما يساهم في تحسين الميزان التجاري للبلاد من خلال تقليل فاتورة الاستيراد وإمكانية تصدير الفائض في المستقبل.
إن النجاح المتوقع لهذا المشروع يفتح آفاقا واسعة لمشاريع مماثلة في قطاعات أخرى، حيث يمكن أن يصبح نموذجا يحتذى به في تطبيق صيغة الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وتدرك السلطات العليا في البلاد أهمية هذا النوع من المشاريع القائمة على الشراكة، وتولي اهتماما كبيرا لما يمكن أن تحققه من دفع لعجلة النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.
نموذج رائد للشراكة الناجحة والتنمية المستدامة
يقف مشروع المجمع الزراعي والصناعي لإنتاج السكر في فم لكليته كشاهد على قدرة موريتانيا على تطوير مشاريع استراتيجية طموحة تحقق التنمية الاقتصادية المستدامة وتعزز من الأمن الغذائي الوطني.
إن هذا المشروع، بتكلفته البالغة 446 مليون دولار واستغلال ممتد على مدى ثلاثين عاما، يمثل استثمارا في المستقبل وثقة في قدرات البلاد على تحقيق التنمية الشاملة.
إن نجاح هذه الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتي تجمع بين الخبرات المحلية والدولية، يؤكد على أهمية التعاون والتكامل في تحقيق الأهداف التنموية الكبرى.
كما يعكس الرؤية الاستراتيجية للقيادة الموريتانية في تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية.
ومع بدء تنفيذ هذا المشروع الرائد، تتطلع موريتانيا إلى مستقبل أكثر إشراقا يتسم بالاكتفاء الذاتي في المواد الغذائية الأساسية، وخلق فرص عمل نوعية للشباب، وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني في الأسواق الإقليمية والدولية.
إن هذا المشروع ليس مجرد استثمار اقتصادي، بل هو رهان على المستقبل ومساهمة في بناء موريتانيا الحديثة والمزدهرة.