اقتصاد

مشروع “القانون الكبير والجميل”.. رهان ترامب على الإنفاق الضخم وسط انقسامات حزبية وانتقادات حادة

منذ بداية ولايته الأولى، لم يتوقف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن الترويج لسياسته الهادفة إلى ترشيد الإنفاق الحكومي، حيث أوكل لرجل الأعمال الملياردير إيلون ماسك مسؤولية المساهمة في رفع كفاءة الإدارة الحكومية، عبر ما سُمي بـ”إدارة الكفاءة الحكومية” (DOGE). لكن هذا التعاون لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما دبّت الخلافات بين الرجلين، خاصة بعد انتقاد ماسك لمشروع ترامب المعروف باسم “القانون الكبير والجميل”، الذي يجمع بين خفض الضرائب وزيادة كبيرة في الإنفاق العام.

ورغم التحذيرات المتزايدة من الخبراء بشأن ارتفاع الدين العام الأميركي، دافع ترامب مرارًا عن مشروعه، معتبراً حجم الإنفاق بمثابة “استثمار ضروري” لاستعادة “عظمة أميركا”. وقد وصف القانون بأنه “أهم تشريع في ولايته الثانية”، كونه حجر الأساس في تنفيذ أجندته الداخلية بالكامل. غير أن المشروع يواجه معركة شاقة في مجلس الشيوخ بعد تمريره بصعوبة في مجلس النواب بأغلبية 215 مقابل 214 صوتًا، في تصويت اتسم بانقسام حزبي حاد.

وكشف تقرير صادر عن “معهد مراقبة الميزانية” في واشنطن أن المشروع سيضيف نحو 2.4 تريليون دولار إلى الدين الوطني خلال العقد المقبل.

أبرز ملامح “القانون الكبير والجميل”

1. خفض الضرائب
يسعى التشريع لجعل التخفيضات الضريبية التي أُقرت خلال الولاية الأولى لترامب دائمة، سواء على الأفراد أو الشركات. كما يلغي الضرائب على البقشيش، وساعات العمل الإضافية، وفوائد قروض السيارات. ويخفض معدل ضريبة الشركات من 25% إلى 21%.
ومن المتوقع أن تضيف هذه التعديلات قرابة 4 تريليونات دولار إلى الدين القومي خلال عشر سنوات.

2. تقليص برامج الرعاية الصحية والاجتماعية
يُدخل التشريع تغييرات جوهرية على برنامج Medicaid، عبر فرض شروط عمل إلزامية (80 ساعة شهريًا) للبالغين الأصحاء جسديًا، ما قد يؤدي إلى فقدان 8.6 ملايين شخص للتغطية الصحية، بحسب مكتب الميزانية في الكونغرس، مع تقليص الإنفاق بنحو 700 مليار دولار خلال عشر سنوات.

3. تعزيز أمن الحدود والهجرة
يرصد المشروع 70 مليار دولار لتأمين الحدود، منها 46.5 مليار لبناء وصيانة الجدران الحدودية مع المكسيك، إلى جانب تمويل إضافي لزيادة أعداد ضباط الهجرة، وتوسيع قدرات الترحيل والاحتجاز.

4. دعم ميزانية الدفاع
يرفع التشريع الإنفاق العسكري بمقدار 150 مليار دولار، بما يشمل 25 مليارًا لتطوير “القبة الذهبية” الدفاعية، و34 مليارًا لتوسيع الأسطول البحري، و21 مليارًا لتحديث مخزونات الذخيرة.

دعم وانقسام داخل الحزب الجمهوري

رغم تمرير القانون في مجلس النواب بدعم كامل من الجمهوريين، فإن الانقسامات داخل الحزب باتت جلية. فقد أيد المشروع الجناح المتشدد المؤيد لخفض الضرائب وتشديد سياسة الهجرة، بينما أعرب الجمهوريون المحافظون ماليًا عن مخاوف من تفاقم الدين القومي.

من بين المنتقدين داخل الحزب:

  • ريك سكوت (فلوريدا) وراند بول (كنتاكي)، اللذان عبّرا عن قلقهما من ضعف إجراءات ضبط الإنفاق.
  • إيلون ماسك، الذي اعتبر المشروع تقويضًا لمبادئ الإدارة الرشيدة، واصفًا إياه بأنه “تشريع بغيض ومثير للاشمئزاز”.
  • الديمقراطيون، الذين ركزوا على تأثيره السلبي على برامج التأمين الصحي للفئات الفقيرة، خصوصًا أن المشروع يلغي عمليًا قانون “خفض التضخم” الذي أقره الرئيس السابق جو بايدن، والذي دعم مشروعات الطاقة النظيفة والبنية التحتية.

ترامب والعقلية العقارية: إنفاق اليوم من أجل مكسب الغد

تقوم فلسفة ترامب الاقتصادية، المستمدة من خلفيته كرجل أعمال ومطور عقاري، على مبدأ الاقتراض لتنفيذ مشروعات ضخمة، على أمل أن تعود هذه الاستثمارات بعائد يفوق تكلفة الديون لاحقًا. وهو يؤمن بأن الإنفاق الحكومي الكبير اليوم سيحقق نموًا اقتصاديًا ملموسًا في المستقبل.

ويرى أن التخفيضات الضريبية هي دعم مباشر للطبقة الوسطى، في حين يمثل رفع الإنفاق العسكري دليلًا على التزامه بشعار “أميركا أولاً”.

لكن هذه الرؤية لا تحظى بتأييد جميع الجمهوريين، لا سيما المحافظين التقليديين، الذين حذروا من أن استمرار سياسة التوسع في الإنفاق والاقتراض سيؤدي إلى تجاوز الدين القومي حاجز 30 تريليون دولار، وهو ما تحقق بالفعل.

معركة الشيوخ.. اختبار حاسم

رغم تجاوز ترامب عقبة مجلس النواب، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في مجلس الشيوخ، حيث يملك الديمقراطيون أغلبية ضئيلة بفارق ثلاث أصوات فقط. وتبقى مواقف الجمهوريين المعتدلين -خاصة من الولايات التي استفادت من مشاريع بايدن مثل مصانع البطاريات والطاقة النظيفة– غير محسومة، ما يهدد بإسقاط القانون أو تعديله جذريًا.

كما أن استمرار التوتر العلني بين ترامب وماسك قد يؤثر على الدعم العام للمشروع، خصوصًا مع تأثير ماسك القوي في أوساط المال والأعمال والمحافظين المعنيين بالكفاءة الحكومية.


خلاصة:
مشروع “القانون الكبير والجميل” يعكس الطموحات الاقتصادية الكبرى لترامب، لكنه يكشف في الوقت ذاته عن عمق الانقسام داخل الحزب الجمهوري، ويفتح الباب أمام صدام تشريعي كبير في مجلس الشيوخ. وبعيدًا عن الجدل السياسي، فإن تداعيات هذا القانون -في حال تمريره- ستظل تُشكّل ملامح الاقتصاد الأميركي لعقود مقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى