الصحة

مأساة مرضى السرطان في غزة: بين قسوة المرض وحصار الاحتلال

أمام غرفة عيادة الأورام في مجمع ناصر الطبي، احتشد العشرات بانتظار دورهم، بينهم سيدة في مقتبل العمر بدت عليها ملامح الشحوب والهزال وآثار العلاج الكيميائي. كانت أمل الجد (32 عاماً) تحمل قصة تختصر معاناة آلاف مرضى السرطان في قطاع غزة.

ما إن سُئلت عن حالها حتى انهارت باكية، تروي إصابتها بورم خبيث في غمد العصب المحيطي، وسط غياب العلاج والعناية الطبية، وانعدام الغذاء الصحي اللازم لمواجهة المرض في غزة.

تشخيص متأخر وحياة ممزقة

في أبريل/نيسان 2024، أنجبت أمل طفلتها الأولى، لكن بعد شهور بدأت تعاني آلاماً شديدة لم يُشخصها الأطباء بدقة بسبب غياب المعدات الطبية وتكرار نزوحها، إضافة إلى تدمير الاحتلال لمستشفى الصداقة التركي (مركز غزة للسرطان) منذ الأيام الأولى للحرب.
ومع التشخيص المتأخر، دخلت أمل في رحلة علاجية شاقة داخل مدينة تتعرض لمنهجية تدمير ممنهج للمنظومة الصحية.

تقول بأسى: “كانت فرحتنا بقدوم طفلتي الأولى كبيرة، لكن اكتشاف المرض سرق الفرح وأرهقني نفسياً وصحياً، حتى انعكس ذلك على طفلتي الصغيرة”.

استئصال الكلى ومعاناة متجددة

قصة أمل ليست استثناءً. رائد حماد (51 عاماً) فقد كليته اليمنى بسبب السرطان عام 2016، لكنه لم يُشفَ من المرض. جاءت الحرب لتفاقم حالته بسبب غياب الغذاء والعلاج.
يقول حماد: “الأطباء أوصوا بنظام غذائي يعتمد على الخضروات، لكن مع الحرب ونقص المواد الغذائية تدهورت صحتي وتراجعت قدرتي على الحركة والنوم”.

ورغم حصوله على تحويلة طبية للعلاج خارج غزة عبر منظمة الصحة العالمية، إلا أنه لا يزال عالقاً في قوائم الانتظار الطويلة عند معبر كرم أبو سالم.

استئصال الثدي دون جدوى

أما فايزة أبو صبحة (ستينية)، فخضعت لاستئصال كامل للثدي بعد اكتشاف ورم سرطاني، لكنها تقول بأسى: “ما زال السرطان ينهش جسدي، ولا أمل في الشفاء ما دمت هنا، حيث لا غذاء ولا رعاية صحية ولا مكان آمن للحياة”.

شهادات طبية صادمة

الدكتور زكي الزقزوق، رئيس اللجنة الطبية العليا للأورام في غزة، أكد أن الوضع الصحي وصل إلى مرحلة “غير مسبوقة منذ عقود”. وأوضح أن نحو 12 ألف مريض سرطان في القطاع محرومون من العلاج، مع تشخيص متزايد لحالات جديدة في مراحل متأخرة جداً.

وأشار إلى أن غياب مركز متخصص بعد تدمير مستشفى الصداقة التركي دفع وزارة الصحة لإنشاء أقسام بديلة متواضعة في مستشفى غزة الأوروبي ثم مجمع ناصر، لكنها عاجزة عن تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات.

انهيار المنظومة الصحية

مدير الإغاثة الطبية في غزة، بسام زقوت، شدد على أن المرضى يعانون من انتكاسات خطيرة بسبب توقف جرعات العلاج الكيميائي، ونقص الكوادر الطبية، والمجاعة التي تفاقم ضعف مناعتهم.

أما أمجد الشوا، نائب مفوض عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، فاعتبر أن استهداف الاحتلال المباشر للقطاع الصحي وحرمان المرضى من العلاج يمثل “جريمة ضد الإنسانية”، مؤكداً أن آلاف المرضى أصبحوا فعلياً “محكومين بالإعدام” نتيجة الحصار ومنع الإخلاء الطبي.

كارثة إنسانية صامتة

بين قصص أمل، ورائد، وفايزة، تتجسد مأساة إنسانية تتجاوز حدود المرض، إذ يواجه مرضى السرطان في غزة حرباً مزدوجة: مواجهة الخلايا الخبيثة في أجسادهم، والحرمان من أبسط حقوقهم في العلاج والغذاء والحياة الكريمة.

زر الذهاب إلى الأعلى