الصحة

لحظة تاريخية في عالم الطب: جراحون أميركيون ينجحون في أول عملية زرع مثانة بشرية

في إنجاز طبي غير مسبوق، أجرى جراحون في جنوب كاليفورنيا أول عملية زرع مثانة بشرية، فاتحين بذلك آفاقًا جديدة لعلاج الآلاف ممن يعانون من أمراض المثانة المزمنة. وأجريت العملية في 4 مايو/أيار الماضي على يد فريق طبي مشترك من جامعتي كاليفورنيا في لوس أنجلوس وجنوب كاليفورنيا، للمريض أوسكار لارينزار (41 عامًا)، الذي فقد معظم سعة مثانته نتيجة علاجات لسرطان نادر.

وتأتي هذه الجراحة ضمن تجربة سريرية يعتزم الأطباء من خلالها إجراء عمليات مماثلة لأربعة مرضى آخرين، بهدف تقييم نتائج الزرع من حيث سعة المثانة، والمضاعفات المحتملة، قبل تعميم التقنية على نطاق أوسع.

وقال الدكتور إندربير جيل، رئيس قسم جراحة المسالك البولية في جامعة جنوب كاليفورنيا، الذي أجرى الجراحة بالتعاون مع الدكتور نيما ناصري، إن العملية تُعد “تحقيقًا لحلم طال انتظاره”، مؤكدًا أن “بابًا جديدًا قد فُتح أمام المرضى الذين عانوا طويلًا من آلام الحوض المزمنة، والالتهابات، وتكرار العدوى”.

البدائل التقليدية ومعضلة الأمعاء

عادةً ما يُستخدم جزء من الأمعاء لدى المرضى الذين يخضعون لاستئصال المثانة، إما لإنشاء قناة خارجية لتصريف البول، أو لبناء مثانة جديدة داخلية تُربط بالإحليل. غير أن هذا النهج محفوف بالمخاطر، بسبب طبيعة أنسجة الأمعاء المليئة بالبكتيريا، ما يسبب مضاعفات لدى نحو 80% من المرضى، تتراوح من اختلال التوازن الكهربي في الجسم إلى تدهور وظائف الكلى.

انطلقت فكرة الزراعة بين الدكتورين جيل وناصري عام 2020، حيث بدآ سلسلة تجارب دقيقة شملت زراعة المثانة في حيوانات، ثم على جثث بشرية، وصولًا إلى تجارب على متبرعين بشريين في حالة موت دماغي.

وتكمن الصعوبة التقنية في تعقيد شبكة الأوعية الدموية داخل الحوض، ما تطلب تدخلًا جراحيًا بالغ الدقة لحفظ التروية الدموية للمثانة المزروعة.

اختيار المريض المثالي

كان أوسكار لارينزار، أبٌ لأربعة أطفال، يعاني من مرض كلوي في مرحلته النهائية، إلى جانب نوع نادر من سرطان المثانة يُعرف بسرطان القناة السُرية البولية. وبعد استئصال كليتيه والمثانة، انخفضت سعة مثانته إلى 30 سم³ فقط مقارنةً بـ300 سم³ في الحالة الطبيعية، وأصبح خاضعًا لجلسات غسيل كلوي منتظمة.

بسبب وجود ندبات كثيرة في بطنه، لم يكن من الممكن استخدام الأمعاء كبديل، ما جعله مرشحًا مثاليًا لتجربة الزرع. وفي ليلة تلقى فيها الأطباء إشعارًا عن توفر متبرع مناسب، سارع الفريق الطبي إلى مقر منظمة “ون ليغاسي” في كاليفورنيا، حيث أُجريت عملية استئصال أعضاء من المتبرع، وتم نقل الكلية والمثانة إلى مركز الجراحة، حيث أُجريت العملية التي استغرقت 8 ساعات.

بداية النجاح: عودة الإحساس الطبيعي

المفاجأة الكبرى حدثت بعد يومين من مغادرة أوسكار المستشفى، إذ أزال الدكتور ناصري القسطرة البولية، وأعطاه محلولًا وريديًا، ليشعر المريض فورًا بحاجة إلى التبول. كانت هذه أول مرة يتبول فيها بشكل طبيعي منذ سبع سنوات.

ورغم أن المثانة المزروعة لا تحتوي على وصلات عصبية نشطة مع جسم المتلقي، ما يثير تساؤلات حول الإحساس بامتلاء المثانة والتحكم في الإخراج، إلا أن هذه الاستجابة المبكرة تبعث على أمل كبير.

وحذّر الدكتور جيل من التسرع في التقييم، قائلًا: “ما زال الوقت مبكرًا. لكن هذه لحظة فارقة. لقد تمكن من التبول لأول مرة منذ سنوات، وهذا بالنسبة لنا إنجاز هائل”.

نحو مستقبل طبي جديد

يمثل هذا النجاح أول خطوة في مسار قد يُحدث ثورة في علاج أمراض المثانة، ويعزز الأمل لدى آلاف المرضى حول العالم الذين يعتمدون على حلول تقليدية غير فعّالة، أو يعانون من مضاعفاتها.

وبينما يواصل الأطباء دراسة حالة أوسكار والتخطيط للعمليات المقبلة، يفتح هذا الإنجاز الطبي بابًا واسعًا للتفاؤل بقدرة الطب على تجاوز الحدود التقليدية، وإعادة الأمل والكرامة لملايين المرضى.

زر الذهاب إلى الأعلى