كندا أمام فرصة تاريخية للتحول إلى قوة اقتصادية عالمية رغم عقوبات ترامب

أثارت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على الصادرات الكندية مخاوف حقيقية بشأن تأثيرها على الاقتصاد الوطني. ووفقًا لتقديرات بنك كندا، فإن الرسوم البالغة 25% قد تؤدي إلى انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي الكندي بنسبة 4% خلال عامين.
الإمكانات الاقتصادية غير المستغلة
يرى تيج باريخ، في مقال بصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، أن كندا تمتلك مقومات تؤهلها لتجاوز هذه العقوبات، بل وتحقيق تحول اقتصادي كبير عبر استغلال مواردها الهائلة. فالدولة التي تعد ثاني أكبر بلد في العالم من حيث المساحة، تتمتع بأطول خط ساحلي عالمي، مما يمنحها موقعًا استراتيجيًا للتجارة الدولية.
كما تتمتع كندا بثروات طبيعية ضخمة، فهي تمتلك أكبر احتياطي عالمي من اليورانيوم عالي الجودة، وثالث أكبر احتياطي نفطي مؤكد، وخامس أكبر إنتاج للغاز الطبيعي. علاوة على ذلك، تضم البلاد كميات هائلة من المعادن والسلع الاستراتيجية مثل البوتاس، والمعادن النادرة المستخدمة في الطاقة المتجددة، إضافة إلى خُمس المياه العذبة السطحية في العالم.
فرصة لإعادة التوجيه الاقتصادي
يرى باريخ أن العقوبات الأميركية يمكن أن تكون دافعًا لكندا لإعادة هيكلة اقتصادها وتقليل اعتمادها على السوق الأميركية، من خلال تحسين الكفاءة الاقتصادية، وزيادة الاستثمارات، وجذب المزيد من العمالة الماهرة.
لكن كندا تواجه تحديات بيروقراطية تعيق النمو، مثل القيود المفروضة على التجارة بين المقاطعات الكندية نفسها، حيث تصدر الدولة إلى الولايات المتحدة أكثر مما تصدره إلى مقاطعاتها، ما يحد من التكامل الاقتصادي الداخلي. وتشير دراسة لمعهد ماكدونالد-لورير عام 2022 إلى أن إزالة هذه العوائق قد يرفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.9%، أي ما يعادل 200 مليار دولار سنويًا.
إصلاحات هيكلية لتعزيز النمو
لتعزيز قدرتها التنافسية، تحتاج كندا إلى تبسيط النظام الضريبي، وتخفيف العقبات أمام الاستثمارات الأجنبية، وإزالة الحواجز التجارية الداخلية. كما يمكنها لعب دور رئيسي في تلبية الطلب العالمي على الغاز الطبيعي واليورانيوم والمعادن الأرضية النادرة، بالإضافة إلى تنويع شراكاتها التجارية مع آسيا وأوروبا، إذ إن 75% من صادراتها الحالية تتجه إلى الولايات المتحدة.
ويؤكد فارون سريفاتسان، مدير السياسات في البنك الملكي الكندي، على أهمية الاستثمار في البنية التحتية التجارية، مثل الموانئ والطرق والسكك الحديدية، لتعزيز قدرة البلاد على المنافسة عالميًا.
أزمة الإسكان والهجرة
على الرغم من أن عدد سكان كندا لا يتجاوز 40 مليون نسمة، مما يجعلها واحدة من أقل البلدان كثافة سكانية، فإنها تواجه أزمة إسكان حادة، حيث تضاعفت أسعار العقارات ثلاث مرات خلال العقدين الماضيين، مما أدى إلى ارتفاع ديون الرهن العقاري وتفاقم الضغوط الاقتصادية على المستهلكين.
في الوقت ذاته، يشكل ارتفاع معدلات الهجرة ضغطًا إضافيًا على البنية التحتية، لكن الهجرة تظل ضرورية للحفاظ على نمو الاقتصاد الكندي، لا سيما في ظل شيخوخة السكان. وتشير مجلة “الإيكونوميست” إلى أن نحو 17 مليون خريج جامعي عالمي يرغبون في الانتقال إلى كندا، ما يشكل فرصة ذهبية لاستقطاب المواهب وتعزيز سوق العمل.
الاستثمارات المستقبلية وفرصة الصناديق السيادية
تتمتع كندا بوضع مالي قوي مقارنة بدول مجموعة السبع، حيث تمتلك مستويات دين وعجز منخفضة، مما يمنحها القدرة على تمويل استثمارات تعزز نموها الاقتصادي. كما تدير صناديق التقاعد الكندية أصولًا تقدر بـ1.6 تريليون دولار، والتي يمكن توجيهها لدعم المشاريع الرأسمالية.
ويقترح باريخ إنشاء صندوق ثروة سيادي على غرار النموذج النرويجي، يستفيد من عائدات الموارد الطبيعية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي طويل الأمد.
فرصة لتحقيق قفزة اقتصادية كبرى
يختتم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن كندا تمتلك الموارد التي يحتاجها العالم بكثرة، ما يمنحها فرصة فريدة للتحول إلى قوة اقتصادية عالمية. ومع تنفيذ الإصلاحات المناسبة، يمكن لكندا أن تستغل هذه المرحلة الصعبة لصالحها، وتحقق قفزة نوعية في اقتصادها، تجعلها لاعبًا رئيسيًا على الساحة الدولية.