قمة الدوحة العربية الإسلامية.. بين استثنائية التوقيت وتحديات المخرجات

فيما تبقى ساعات على انطلاق القمة العربية والإسلامية، وبعد أميال قليلة من موقع الاعتداء على قطر، تترقب الساحتان العربية والإسلامية ما الذي سيجعل قمة الدوحة تختلف عن سابقاتها، لا سيما في ظل الدم المشترك بين قطريين وفلسطينيين الذي أوشك أن يتحول إلى علامة لا تُمحى.
بدأ القادة يصلون وتزينت الدوحة لاستقبالهم، على الرغم من الجرح العميق الذي خلفه الهجوم الإسرائيلي الهادِف إلى اغتيال قيادات من حركة المقاومة الإسلامية (حماس). وتبدو العاصمة القطرية عازمة على ألا تكون قمتها مجرد تكرار لما اعتدناه من قمم استضافتها عواصم عربية وإسلامية سابقة؛ فقد ظل مستوى قرارات تلك القمم في الغالب قريباً من الواقع وأقل بكثير من طموحات الشارع.
تحمل قمة الغد في طياتها أسئلة وقضايا عدة؛ لكنها تبدو استثنائية لدى الرأي العام العربي والإسلامي من حيث التوقيت والدافع. السؤال المركزي: هل ستكون استثنائية أيضاً على مستوى النتائج والمخرجات؟
تحت ظل الهجوم الإسرائيلي
تنعقد القمة غداً مدفوعة بأسباب متعددة، لكن هجوم “الثلاثاء” يمثل المحرك المباشر؛ فقد وسّع نطاق الخطر الإسرائيلي من حدود جغرافية ضيقة إلى سقف يهدد كل العواصم العربية والإسلامية دون استثناء. ومع اشتداد هذا التهديد واتساع عدوانيته، يصبح البحث عن وسائل رادعة القاع المنتظر للقمة.
لا يغيب عن الاجتماعات أثر “طوفان الأقصى” والمأساة المتدفقة في غزة؛ فهما أصل تداعيات الهجوم على الدوحة، وسيتصدران بلا شك نقاشات وقرارات القمة.
ما الذي تملكه القمة؟
يبقى السؤال حول قدرة القمة على تجاوز حدود مخرجات قمم سابقة التي اتسمت بالحد الأدنى من الفاعلية. لكن المنطق السياسي والتفويض الشعبي الذي يحمله القادة المدعوون قد يمنح قراراتٍ جذرية تضمن حماية الدول المتضررة وردع الاعتداءات، وفي مقدمة الخيارات الممكنة:
- الإدانة والاستنكار: موقف ثابت لا يحتاج عادة لقمة، لكنه لا يرقى لتوقعات الاستثناء ولا يتناسب وحجم الهجوم ورمزيته.
- وقف التطبيع وسحب السفراء: قرار مؤثر ومؤلم لإسرائيل، لكنه ربما يقتصر على عدد محدود من الدول رغم اتساع موجة التطبيع.
- قطع العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية: يشمل مقاطعة شاملة للشركات والتعاملات مع إسرائيل، وهو قرار قابل للتدرج ويمكن أن يتطور إلى حصار اقتصادي يعيق التجارة ويؤثر نوعياً على الاقتصاد الإسرائيلي.
- حملة دولية لإدانة إسرائيل: خيار يعزز الأصوات العالمية الداعية لوقف العدوان، وقد يلقى صدىً في عواصم من أميركا الشمالية وأوروبا وأفريقيا إذا تبنته القمة رسمياً.
- الضغط على حلفاء إسرائيل: البحث عن آليات ضغط جديدة على شركاء تل أبيب، وفي مقدمهم الولايات المتحدة، للاضطلاع بدور فاعل في وقف الهجمات.
- تفعيل الدفاع العربي والإسلامي المشترك: تعزيز التعاون الأمني لحماية الأجواء والأراضي من أي اختراقات، خصوصاً بعد امتداد العمليات إلى مناطق جديدة وأخيراً إلى قطر.
دعم جهود الوساطة
من المرجح أن تمنح القمة دعماً سياسياً لجهود الوساطة التي تقودها قطر ومصر في مفاوضات وقف النار بين حماس وإسرائيل، ما يعزز موقف الدوحة والقاهرة كجهات وسيطة موثوقة ويزيد من حماية دورهما الدبلوماسي، في وقت تُمجّد فيه الحاجة إلى بدائل واقعية بعد إحساس واسع بغياب الدعم العربي والإسلامي خلال السنوات الماضية.
وقف العدوان على غزة وإجراءات ملموسة
لن يخلو بيان القمة من المطالبة بوقف العدوان على غزة، لكن السؤال هنا هل ستتخذ القمة خطوات عملية لكسر الحصار؟ لدى الدول العربية والإسلامية أوراق ضغط متعددة — دبلوماسية واقتصادية وربما أمنية — يمكن توظيفها لفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية تحت حماية دولية أو إقليمية، والمساهمة في خطة لإعادة إعمار غزة. ومع ذلك، يظل خيار المواجهة العسكرية المباشرة مع إسرائيل أقل الاحتمالات، نظراً لغياب إجماع عربي وإسلامي واضح على مسار موحد في هذا الباب.
يبقى أن السلاحين الأقوى المتاحين للقمة هما الصوت السياسي والدبلوماسي، ثم السوط الاقتصادي، كوسائل لفرض رادع على عدوانٍ لم يراعِ قدس العواصم العربية والإسلامية. فهل تنجح قمة الدوحة في تحويل هذه الأدوات إلى مخرجات فعلية تُضع حدّاً للتجاوزات؟ بين طموحات الشارع وموازين القوى الإقليمية والدولية، تتسع أمام القمة فرصة الاستثناء، لكن نجاحها مرهون بجرأة القرارات وتجسيدها على أرض الواقع.







