قطر تطلق المرحلة الثانية من مشروع دعم الكهرباء في سوريا بالشراكة مع أذربيجان وتركيا

أطلقت سفارة دولة قطر في دمشق المرحلة الثانية من مشروع دعم قطاع الكهرباء، بتمويل من صندوق قطر للتنمية وبالتعاون المباشر مع وزارة الطاقة السورية، ضمن توجه استراتيجي يهدف إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي والإنساني في البلاد.
ويأتي هذا التطور بالتزامن مع بدء ضخ الغاز الأذربيجاني عبر تركيا في 2 أغسطس/آب الجاري، ليصبح، إلى جانب الغاز القطري الذي بدأ تدفقه قبل شهر عبر الأردن، أحد المصادر الرئيسية لإمداد سوريا بالكهرباء.
وأوضح مدير المؤسسة العامة للنقل والتوزيع الكهربائي في سوريا، خالد أبو ديه، أن اتفاقًا فنيًا تم توقيعه بين الفرق السورية والتركية لتفعيل آلية تدريجية لضخ الغاز الأذربيجاني، تبدأ بـ 750 ألف متر مكعب يوميًا لمدة ستة أيام لضمان استقرار الضغط، قبل أن ترتفع الكمية تدريجيًا إلى 3.4 ملايين متر مكعب يوميًا. وأشار إلى أن الغاز يُضخ حاليًا عبر شبكة معزولة في حلب، مع خطط لتمديده لاحقًا إلى المناطق الوسطى والجنوبية عبر خط “توينان” بعد استكمال الإجراءات الفنية.
وبحسب أبو ديه، من المتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة الإنتاج الكهربائي بنسبة تتراوح بين 25% و35%، ما يرفع ساعات التغذية إلى 8-10 ساعات يوميًا في معظم المناطق، مؤكدًا أن المشروع يمثل خطوة نوعية لتعزيز أمن الطاقة واستقرار الشبكة الكهربائية.
800 ميغاواط في المرحلة الثانية
انطلقت المرحلة الثانية في 2 أغسطس/آب 2025 بهدف إدخال 800 ميغاواط من الكهرباء إلى الشبكة السورية، مقارنة بـ 400 ميغاواط في المرحلة الأولى. وستُنقل الإمدادات عبر خطوط تمر بأذربيجان وتركيا وصولًا إلى محطة حلب، ومنها إلى مختلف المحافظات. ويعتمد المشروع على الغازين القطري والأذربيجاني كمصدرين أساسيين لتشغيل محطات الكهرباء، ما يسهم في إعادة تشغيل مئات المصانع المتوقفة منذ سنوات.
انعكاسات اقتصادية وصناعية
يرى خبراء الاقتصاد أن المشروع يشكل تحولًا إستراتيجيًا في ملف الطاقة بسوريا، إذ لا يقتصر أثره على تخفيف معاناة المواطنين، بل يمتد إلى تنشيط الدورة الاقتصادية، خصوصًا في المناطق الصناعية مثل حلب وريف دمشق وحمص.
وليد جميل، صاحب مصنع منسوجات في مدينة الشيخ نجار الصناعية بحلب، عبّر عن تفاؤله بانعكاس زيادة ساعات الكهرباء على القطاع الصناعي، موضحًا أن انقطاع التيار لسنوات أجبره على الاعتماد على مولدات الديزل المكلفة، ما أضعف القدرة التنافسية للمنتجات. وأضاف أن المشروع سيمكنه من تشغيل المصنع بنسبة 70% وتوظيف 50 عاملًا إضافيًا خلال أشهر، مع توقع خفض تكاليف الإنتاج بنسبة تصل إلى 30%.
أما عبد الله نجار، صاحب معمل لتصنيع المواد الغذائية، فأكد أن تحسن التغذية الكهربائية سيمكنه من زيادة الإنتاج بنسبة 40% خلال العام المقبل، بعد خسائر كبيرة تكبدها سابقًا نتيجة توقف العمل لفترات طويلة، مشيدًا بالدور القطري في تمويل المشروع.
فرص عمل وتحسن في الإنتاج
يشير محللون اقتصاديون إلى أن تحسن إمدادات الكهرباء قد يسهم في خفض معدلات البطالة، عبر إعادة تشغيل الورش والمعامل التي كانت تعتمد على مولدات باهظة التكاليف أو توقفت كليًا. وتقدّر نسبة التحسن في ساعات التغذية بنحو 40%، ما يفتح المجال أمام آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.
وحتى الآن، قدم صندوق قطر للتنمية أكثر من 760 مليون دولار لدعم قطاع الكهرباء السوري، في إطار ما يوصف بـ “الدبلوماسية الاقتصادية” التي تركز على مشروعات مستدامة بديلة عن المساعدات التقليدية.
أهمية إستراتيجية طويلة الأجل
الباحث الاقتصادي في مركز جسور للدراسات، الدكتور خالد تركاوي، شدد على أن إدخال الغاز إلى سوريا يمثل خطوة إستراتيجية لتحريك عجلة الاقتصاد، موضحًا أن الأنابيب التي تنقل الغاز تعد استثمارًا طويل الأمد بعوائد تمتد لعقود. وأشار إلى أن استقرار الإمدادات يمكن أن يغطي احتياجات مدينة الشيخ نجار الصناعية بنسبة 100%، مع إمكانية توسعها لتشمل مدنًا أخرى مثل حماة وحمص.
كما لفت إلى أن المنطقة تشهد “إعادة هندسة اقتصادية” تهدف إلى دمج اقتصاديات دول المنطقة، ما قد يمنح الاقتصادات الأضعف فرصًا للارتباط بأسواق أقوى وأسرع نموًا، وهو ما قد يحوّل المنطقة إلى قوة اقتصادية مؤثرة في المستقبل.