ثقافة

في زمن الأزمات.. فلسطين تظل قضية الأمة المركزية

في عصر تتكاثر فيه النكبات وتتوالى فيه الأزمات، تبقى فلسطين القضية المركزية للأمة الإسلامية، ومهوى أفئدة الأحرار، وعنوان الكرامة، وميزانًا دقيقًا يُختبر به صدق المواقف ونقاء الضمائر. ومع تسارع الأحداث وتفاقم التخاذل الرسمي، يبرز دور العلماء والدعاة بوصفهم صوت الأمة الهادي، وحملة راية الحق، والنُطق الصادق باسم الشعوب التواقة للنصرة، وهم الأولى بالإجابة على السؤال الجوهري: ما هو واجب الأمة، شعوبًا وحكومات وعلماء، في نصرة فلسطين؟ وما هي صور هذه النصرة الممكنة والواجبة؟

وفي هذا السياق، يأتي كتاب “واجب العلماء والدعاة نحو تحرير فلسطين والمسجد الأقصى” للدكتور محمد يسري إبراهيم، والصادر عن دار اليسر بالقاهرة، كمساهمة علمية ودعوية جادة في تأصيل فريضة النصرة، وبيان أبعادها الشرعية والاجتماعية والسياسية، وإبراز مسؤولية العلماء والدعاة تجاه هذه القضية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الواجب العام تجاه الأمة الإسلامية.

الدكتور محمد يسري إبراهيم، وهو الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح ووكيل جامعة المدينة العالمية في ماليزيا، يحمل درجتي دكتوراه في الهندسة الكيميائية والشريعة الإسلامية، وينطلق في مؤلفه من رؤية عقدية شمولية، تمزج بين الأسس الشرعية والواقع الاجتماعي والسياسي، وتُفصّل القول في أبعاد النصرة ضمن رؤية متكاملة تجمع بين النظرية والتطبيق.

خصائص الكتاب:

يتميّز الكتاب بعدد من السمات العلمية والمنهجية البارزة، من أبرزها:

  • الشمول والتكامل: يجمع بين التأصيل العقدي، والفقهي، والتربوي، والاجتماعي، والسياسي، ليقدّم رؤية شاملة لمسؤولية النصرة.
  • الربط بين فلسطين وسائر قضايا الأمة: يؤكد المؤلف أن جراح الأمة واحدة، سواء في فلسطين أو في بورما أو كشمير أو تركستان الشرقية، وكلها تستوجب الموقف ذاته.
  • الواقعية والمعاصرة: يعرض نماذج حديثة للنصرة، كدروس معركة “طوفان الأقصى”، وفتاوى العلماء، وبشائر النصر.
  • ثراء بالنقولات التراثية: يزخر الكتاب بأقوال محققة لعلماء كابن القيم، وابن حزم، وابن تيمية، مما يعزز البناء العلمي والشرعي للموضوع.

محتوى الكتاب:

يتكوّن الكتاب من خمسة عشر فصلاً، رتّبها المؤلف منهجيًا، مبتدئًا بالتأصيل العقدي، مرورًا بالواقع العملي، وانتهاءً بخلاصات ودروس معاصرة. وفيما يلي عرض موجز لأهم فصوله:

  1. الواجب نحو فلسطين وسائر قضايا الأمة: يؤكد وحدة قضايا المسلمين، ويقرر أن نصرة فلسطين واجب شرعي لا يختلف عن نصرة المظلومين في سائر بقاع الأرض.
  2. النصرة فرض عقدي فردي وجماعي: النصرة ليست اختيارًا، بل هي واجب إيماني يفرضه الولاء والبراء، وتجمع بين الأفراد والمجتمعات.
  3. النصرة حكم فقهي وواجب عملي: النصرة تشمل المال، والخدمة، والنصيحة، والدعاء، ويستشهد بأقوال فقهية تؤكد وجوب إنقاذ الأنفس وحماية المظلومين.
  4. النصرة خلق إيماني وسلوك تربوي: يغرس المؤلف قيمة النصرة في ضمير الفرد المسلم، ويعرض نماذج من حياة السلف في هذا السياق.
  5. النصرة منهج اجتماعي ومسعى تكافلي: يعرض صورًا من التكافل في التاريخ الإسلامي، ويبرز أهمية التناصر في حفظ تماسك المجتمعات.
  6. النصرة جهاد عسكري وعمل ميداني: الجهاد أعلى صور النصرة، يبدأ بمن وقع عليهم العدوان، ويشمل الإعداد بكل صوره المادية والمعنوية.
  7. النصرة موقف سياسي وميثاق أممي: يدعو إلى تبني موقف سياسي موحد يعكس وحدة الأمة ويترجم النصرة إلى سياسات عملية.
  8. النصرة مبدأ قانوني وحكم قضائي: يرى أن المؤسسات القضائية الإسلامية مطالبة بتكريس النصرة ضمن منظومة العدالة.
  9. صفحات من نصرة العلماء والدعاة لقضايا المسلمين: يستعرض نماذج تاريخية من مواقف العلماء والدعاة في نصرة قضايا الأمة.
  10. العقيدة في الأقصى والقدس وفلسطين: يوضح مركزية القدس في العقيدة الإسلامية، ويربطها بالهوية الإيمانية للأمة.
  11. خطوات العلماء والدعاة في طريق النصرة: يحدد الأدوار العملية المطلوبة منهم في التوعية والتعبئة والدعم.
  12. نصرة فلسطين مكسب للأمة لا عبء: يبين كيف أن التفاعل مع القضية يعزز القيم ويعيد توحيد الصفوف.
  13. مبشرات النصر وصور من انتصار الطوفان: يعرض إشارات الأمل في النصر، ويستلهم من معركة “طوفان الأقصى” دروسًا عملية.
  14. خلاصات من دروس طوفان الأقصى: يستنبط عبرًا متعددة من هذه المعركة من جوانبها الشرعية والسياسية والتربوية.
  15. فتاوى العلماء في نصرة الأقصى وفلسطين: يورد جملة من الفتاوى الصادرة عن كبار العلماء التي تؤكد وجوب النصرة بمختلف صورها.

خاتمة:

يمثل هذا الكتاب مرجعًا علميًا متماسكًا يجمع بين الأصالة والواقع، ويجسد النصرة كفريضة شرعية متكاملة تشمل الإيمان، والعمل، والسياسة، والقضاء، والتربية. وقد أجاد المؤلف في الربط بين النصوص الشرعية ومتغيرات الواقع، وأعاد التأكيد على أن فلسطين ليست قضية قطرية، بل ميدان اختبار حقيقي لضمير الأمة وإيمانها.

ويختم المؤلف بتساؤلات صادقة تهز الضمير:
هل أدينا واجبنا كعلماء ودعاة؟ هل بذلنا ما نستطيع من نصرة؟ وهل يليق بنا أن نرجو النصر ونحن مقصرون؟
أسئلة مفتوحة، إجابتها تكمن في العمل والموقف قبل الأقوال والبيانات.

زر الذهاب إلى الأعلى