اقتصاد

فرنسا تتفوق على القارة الأفريقية في إنتاج القمح.. مفارقة تكشف هشاشة الأمن الغذائي في القارة السمراء

أثارت تدوينة على منصات التواصل الاجتماعي اهتمامًا واسعًا بعد أن كشفت أن إنتاج فرنسا من القمح يفوق ما تنتجه القارة الأفريقية بأكملها التي تضم أكثر من 50 دولة.

وقد أكد محرك البحث “غوغل” صحة هذه المعلومة، موضحًا أن فرنسا تعد خامس أكبر منتج للقمح في العالم، وثاني أكبر مصدّر له بعد أستراليا، بمتوسط إنتاج سنوي يبلغ نحو 30 مليون طن خلال السنوات الخمس الأخيرة، يُخصّص نصفها تقريبًا للتصدير.

هذا الواقع يعكس أن فرنسا لا تزرع القمح فقط لتأمين احتياجاتها الغذائية، بل أيضًا لتعزيز صادراتها وتغذية خزينتها بالعملة الصعبة. وتُظهر البيانات أن باريس تصدّر ما يقارب 16 مليون طن سنويًا، لتنافس بذلك كبار المنتجين العالميين مثل روسيا وأوكرانيا وكندا والولايات المتحدة.

في المقابل، يتراوح إنتاج القارة الأفريقية بأكملها بين 25 و30 مليون طن فقط سنويًا، أي ما يعادل تقريبًا إنتاج فرنسا وحدها، مع تباين محدود من موسم لآخر تبعًا للظروف المناخية.

ووفقًا لإحصاءات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لعام 2023، فإن أكبر عشر دول أفريقية منتجة للقمح هي أيضًا أكبر مستورديه، إذ تتصدر مصر القائمة بإنتاج قدره 9.7 ملايين طن، تليها إثيوبيا (7.5 ملايين طن)، ثم الجزائر والمغرب وجنوب أفريقيا، فيما تسجل بقية الدول كميات أقل بكثير.

وتؤكد هذه الأرقام مدى محدودية إنتاج القارة من محصول يعتمد عليه أكثر من ثلث سكان العالم في غذائهم اليومي، في ظل تفاقم أزمة الجوع التي تؤدي إلى وفاة شخص كل 28 ثانية في بعض دول شرق أفريقيا، وفقًا لتقرير منظمة “أوكسفام”.

رغم تنوع المحاصيل الغذائية في أفريقيا مثل الذرة والدخن والبطاطا الحلوة، يظل القمح الغذاء الأساسي في الدول ذات الكثافة السكانية العالية كـ مصر والجزائر والمغرب والسودان وجنوب أفريقيا، مما يضاعف اعتمادها على الاستيراد من روسيا وأوكرانيا وفرنسا وكندا وأستراليا.

وقد كشفت الحرب الروسية الأوكرانية، التي اندلعت عام 2022، هشاشة الأمن الغذائي الأفريقي، حيث أدت اضطرابات سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف النقل والتأمين إلى أزمات تموينية وارتفاع الأسعار بنسبة تجاوزت 12% عام 2023 في بعض الدول.

ورغم هذه التحديات، برزت زيمبابوي وإثيوبيا كنموذجين استثنائيين، إذ أعلنتا تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح. فزيمبابوي سجلت إنتاجًا قياسيًا بلغ 600 ألف طن هذا الموسم، متجاوزة احتياجاتها المحلية، بفضل تطوير مشاريع الري واعتماد تقنيات زراعية حديثة، فيما تخطط إثيوبيا لزراعة 7.7 ملايين هكتار من القمح هذا العام.

لكن السؤال الجوهري يبقى قائمًا: لماذا تعجز دول أفريقية تملك أراضي خصبة وموارد بشرية وفيرة عن تحقيق أمنها الغذائي؟ يجيب الخبراء بأن المشكلة تكمن في غياب التخطيط الزراعي السليم وسوء إدارة الموارد، وليس في نقص الإمكانيات.

ويشير متخصصون إلى أن الاكتفاء الذاتي من القمح وحده لا يكفي لضمان الأمن الغذائي الشامل، إذ يجب دعم زراعة المحاصيل المحلية القادرة على مقاومة الجفاف مثل الكسافا والذرة البيضاء والفاصوليا، إلى جانب دعم صغار المزارعين بالتقنيات الحديثة وتوفير البذور المحسّنة وضمان الأمن في مناطق النزاع.

وتؤكد منظمات التنمية الزراعية أن الحل يكمن في تبنّي سياسات طويلة المدى وإرادة سياسية حقيقية تضع الأمن الغذائي في صدارة أولويات القارة، حتى لا تبقى أفريقيا رهينة الحروب والأزمات العالمية التي تهدد لقمة عيش شعوبها.

زر الذهاب إلى الأعلى