“ضوء في ظل الخراب”.. علي شمس الدين يرسم الأمل من قلب المأساة

في زمنٍ يشتد فيه ظلام الحروب وتتساقط المدن تحت ركام الدمار، يطل الفنان اللبناني علي شمس الدين بمعرضه الجديد “ضوء في ظل الخراب” ليعلن انتصار الجمال على العنف، والأمل على اليأس. في قلب بيروت، وتحديدًا في صالة العرض بمنطقة الجميزة، تتدلى لوحات تتوشح بالسواد لكنها لا تلبث أن تتوهج بألوان وردية وزاهية، كأنها حوار بصري بين الألم والرجاء، بين الموت والحياة.
بدأ شمس الدين العمل على هذه اللوحات قبل عامين، لكن نيران الحرب في غزة سرعان ما اقتحمت مساحات لوحاته، فامتزجت مع مآسي شعوبٍ أخرى من لبنان وسوريا والسودان وفلسطين. ويعترف الفنان بأن الحزن واليأس كانا يطغيان على أعماله السابقة، لكنه أراد هذه المرة أن يزرع فيها شيئًا من الضوء رغم فداحة المأساة، قائلاً:
“أردتُ أن أقول إن الأمل لا يموت، حتى في وجه الدم والجحيم المفتوح على رؤوس الناس”.
الألم الإنساني واحد
يرى شمس الدين أن ريشته لا تميّز بين الحروب، فالألم الإنساني واحد في كل مكان، “وفي القلب منه غزة”، كما يقول. ويوضح في مقابلة مع وكالة رويترز أن العنف والشر لا يمكن تجسيدهما بشكل مباشر في لوحة، لأن “حقيقتهما أقسى من أي وصف”، لذلك اختار أن يعبّر من خلال ملامح الناس، من خلال العيون المليئة بالخوف والإصرار في آن واحد، ومن خلال الأجساد المجروحة التي ترفض السقوط.
“قد يموت كثيرون، لكن هناك من يظلون واقفين… والأمل أجمل، والعنف لن يستطيع أن يدمّر أحلام الناس”، يقول الفنان.
بين المأساة والفرح
شمس الدين، ابن الجنوب اللبناني البالغ من العمر 69 عامًا، عايش الحروب عن قرب، وحملها في ذاكرته وألوانه. وهو فنان متعدد المواهب حائز على جائزة معرض الشارقة الدولي للكتاب (1996) وجائزة الكتب المصوّرة من معهد اليونسكو الثقافي لشرق آسيا (1994).
وفي منشور المعرض التعريفي، وُصفت أعماله بأنها “محاولة للاقتراب من الذين يعبرون الحروب بأجسادهم الهشة وأرواحهم التي لم تنكسر، لا لمواجهة الشر، بل لمصافحته برفق واحترام”.
من عربصاليم إلى الجميزة
وُلدت بعض لوحات المعرض في بلدته عربصاليم بجنوب لبنان، حين كانت الحرب تقترب من جدرانه، لكنه لم يرسم الدمار بل الأمل. يقول:
“كان القصف قريبًا منا، ومع ذلك لم أرغب أن تكون لوحاتي سوداوية. عندما تراها من بعيد تظنها مريحة، لكن عندما تقترب تكتشف الجدلية بين المأساة والفرح”.
وفي بعض اللوحات تتسلل الكوفية الفلسطينية كرمز مقاوم، تمتزج بخيوط الأمل والحياة، لتشكل حوارًا صامتًا بين وجع الأرض وصلابة من يعيشون عليها.
تفاعل فني وإعلامي
شهد المعرض حضورًا واسعًا من المهتمين بالفن والإعلام. وقال ماهر العطار، صاحب قاعة آرت ديستركت المستضيفة للمعرض، إنه أُعجب بشدة بأعمال شمس الدين، مضيفًا:
“من خلال مكعباته ومجسماته الملوّنة، يرسم رسالةً تعالج العنف بالفرح. نحن كلبنانيين وعرب نعيش مرحلة من الوجع، لكن يمكننا قراءتها بروح إيجابية”.
أما الصحفية الفلسطينية حنان عيسى، فرأت في المعرض “كوفية فلسطينية تتوسط اللوحات، تمنحنا أملاً كبيرًا وغصّة في الوقت نفسه، إحساس يدخل القلب دون استئذان”.
لوحات تنبض بالشعر
على أحد جدران المعرض، تتصدر لوحة بعنوان “إذا سقطت يدك فالتقطها”، المأخوذة من قصيدة للشاعر الراحل محمود درويش، حيث تتداخل فيها الأيدي والطيور وألوان الولادة والبقاء في معركة صاخبة بين الحياة والموت.
وعلّق الشاعر زاهي وهبي قائلاً:
“الدمار ليس في الأمكنة فقط، بل في الوجدان والضمير، لكن علي شمس الدين يواجهه بألوان الفرح، كأنه يفتح نافذة تقول: لا تفقدوا الأمل… هناك ضوء في آخر النفق”.
أما النحاتة كارول أنجا، فوصفت قدرته على مزج الألوان المتناقضة قائلة:
“يستخدم ألوانًا لا يتخيل أحد أنها تنسجم معًا، لكنه يجعلها تتآلف وتتكلم، فيحوّل القسوة إلى جمال يمكن فهمه وتقبله”.
الفن في مواجهة الحرب
ويكشف آدم شمس الدين، نجل الفنان، أن والده يرسم من جبل الرفيع في الجنوب رغم الغارات الإسرائيلية المتكررة، قائلاً:
“كنت ألاحظ تغير الألوان تبعًا للظروف من حوله. كل ما يعيشه من حب وغضب وخوف يترجمه على القماش. لهذا رفض مغادرة قريته، وأصرّ أن يعيش الحرب كما يعيشها الآخرون”.
ويستمر معرض “ضوء في ظلال الخراب” حتى الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، مقدّمًا تجربة فنية استثنائية تقول بلغة اللون ما تعجز عنه الكلمات: إن الأمل لا يموت، حتى في قلب الخراب.