اقتصاد

صعود الصناعات الدفاعية التركية: نمو غير مسبوق وصادرات تقود الاقتصاد والاستراتيجية

تواصل الصناعات الدفاعية والطيران في تركيا تعزيز مكانتها على الساحة الدولية، مسجلة أرقاماً قياسية في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، بصادرات بلغت 2.98 مليار دولار، بزيادة قدرها 29% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وفق بيانات رئاسة الصناعات الدفاعية التركية.

هذا النمو اللافت يعكس اتجاهاً تصاعدياً بدأ منذ عام 2020، حيث قفزت الصادرات من 2.2 مليار دولار إلى 3.2 مليارات في 2021، ثم 4.4 مليارات في 2022، وصولاً إلى 7.15 مليارات في 2024، وهو رقم تجاوز التقديرات الرسمية بنسبة تزيد على 11%.

ووفق المعطيات الرسمية، بلغ حجم الصادرات في أبريل/نيسان وحده 539 مليون دولار، محققاً نمواً سنوياً بنسبة 54%. أما خلال الفترة من يناير/كانون الثاني حتى نهاية أبريل، فقد وصلت الصادرات إلى 2.24 مليار دولار، وهو أعلى معدل نمو ربعي في تاريخ القطاع.

تحوّل هيكلي واستراتيجية بعيدة المدى

رئيس هيئة الصناعات الدفاعية، هالوك غورغون، أكد أن هذه الأرقام ليست مجرد طفرة ظرفية، بل تمثل تحولاً هيكلياً يعكس طموح تركيا لبلوغ صادرات سنوية تتجاوز 11 مليار دولار بحلول عام 2028. وأشار إلى أن الصناعات الدفاعية أصبحت تمثل أكثر من 3% من إجمالي الصادرات التركية، مع تركيز كبير على المنتجات التقنية ذات القيمة المضافة العالية.

وقد عزز هذا الأداء إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان عن صفقة ضخمة لبيع 48 طائرة مقاتلة من طراز “قان”، أول طائرة حربية تركية من الجيل الخامس، إلى إندونيسيا، بالإضافة إلى تصدير الزورق المسيّر “أولاق” إلى قطر، ما يبرز تنوع محفظة الصناعات الدفاعية التركية واتساع أسواقها.

شركات تركية تتصدر مشهد التصدير

أبرز الشركات المساهمة في هذا النمو كانت:

  • بايكار: تصدّرت القائمة بإيرادات بلغت 1.8 مليار دولار بفضل الانتشار المتزايد لطائراتها المسيّرة حول العالم.
  • توساش (الصناعات الجوية والفضائية): 750 مليون دولار.
  • أسفات (المتخصصة بالأسلحة البحرية): 644 مليون دولار.
  • الصناعات الميكانيكية والكيميائية: 610 ملايين دولار.
  • أرسا ديفنس: 600 مليون دولار.
  • أسلسان: 508 ملايين دولار، مستفيدة من تكامل أنظمتها في مختلف القطاعات الدفاعية.

ووفقاً لغورغون، فإن 230 منتجاً دفاعياً مختلفاً تم تصديره إلى 180 دولة خلال عام 2024، شملت طائرات مروحية، صواريخ موجهة، رادارات، وأسلحة متوسطة وخفيفة، مع تنامي صادرات الطائرات المسيّرة من طراز “بيرقدار تي بي2″، “آقنجي”، و”العنقاء”، التي دخلت الخدمة في جيوش آسيوية وأوروبية وأفريقية.

توسع في خارطة الأسواق ونفوذ استراتيجي

بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أظهرت أن الإمارات استحوذت على 18% من صادرات تركيا الدفاعية بين 2020 و2024، تلتها باكستان (10%) وقطر (9.9%). كما توسعت تركيا في أسواق غرب أفريقيا، وأبرمت صفقات مع دول أوروبية مثل بولندا ورومانيا والتشيك وبلغاريا وسلوفاكيا، بالإضافة إلى فرنسا وأوكرانيا.

وفي عام 2024، توجهت 55.4% من الصادرات الدفاعية التركية إلى دول حلف الناتو وأوكرانيا، مما يعكس عمق الشراكات الغربية رغم التباينات السياسية في بعض الملفات.

رافعة اقتصادية تتجاوز التجارة

تحولت الصناعات الدفاعية إلى ركيزة اقتصادية، إذ مثلت 1.9% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، وشكلت 2.7% من إجمالي الصادرات التركية البالغة 262 مليار دولار. ووصفت رئاسة الصناعات الدفاعية هذه الصادرات بأنها “أداة تأثير جيوسياسي” تعزز من استقلالية القرار العسكري وتوسع الهوامش الدبلوماسية لأنقرة.

وأكدت الهيئة أن 75% من الأنظمة المنتجة محلياً أصبحت في الخدمة لدى جيوش الناتو أو حلفاء تركيا، وهو ما يمنح أنقرة نفوذاً استراتيجياً غير مسبوق في المعادلات الدولية.

تحول نوعي وتكامل بنيوي

الباحثة في قضايا الأمن والدفاع، مروة كاراكوتش، ترى أن التجربة التركية تشكل نموذجاً لتحوّل تدريجي من بلد مستورد للسلاح إلى قوة منتجة ومصدرة. وأشارت إلى أن النجاح التركي يقوم على مزيج من التنوع الصناعي، التكامل المحلي، والاستجابة السريعة لاحتياجات متنوعة.

بدوره، يرى الباحث الاقتصادي مصطفى أكوتش أن النمو في القطاع يعكس انتقال تركيا إلى اقتصاد صناعي أكثر تطوراً وتعقيداً، لافتاً إلى أن وجود أكثر من 3500 شركة في هذا المجال يعكس ديناميكية واضحة. لكنه حذر من أن بعض النمو قد يكون مؤقتاً نتيجة الظروف الجيوسياسية والدعم الحكومي، ما يتطلب تعزيز الابتكار والاستثمار في البحث والتطوير لضمان الاستدامة.

خاتمة

يمثل الصعود المتسارع للصناعات الدفاعية التركية أحد أبرز التحولات في الاقتصاد والسياسة التركية الحديثة. فبينما يُنظر إلى الأرقام القياسية في التصدير على أنها نجاح اقتصادي، فإن ما تحمله من أبعاد إستراتيجية وسيادية يجعل من هذا القطاع أحد مفاتيح القوة الصاعدة لتركيا في محيطها الإقليمي والدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى