اقتصاد

“شاومي” من الهواتف إلى السيارات الكهربائية.. كيف أعاد لي جون رسم ملامح النجاح التكنولوجي؟

قالت صحيفة الإيكونوميست البريطانية إن الرئيس التنفيذي لشركة “شاومي” الصينية لي جون أثبت نفسه كأحد ألمع المسوّقين في العالم منذ تأسيسه الشركة عام 2010، بعدما سجّل رقماً قياسياً ببيع 2.1 مليون هاتف ذكي خلال 24 ساعة فقط عبر الإنترنت. لكن نجاح لي جون اليوم لم يعد يقتصر على الهواتف الذكية، بل امتد إلى قطاع السيارات الكهربائية، حيث أصبحت شاومي محط أنظار الصناعة عالمياً.

انطلاقة صاروخية في سوق السيارات

في الشهر الماضي، حقّقت شاومي إنجازاً مذهلاً ببيع أكثر من 200 ألف وحدة من طراز “U7”، وذلك خلال 3 دقائق فقط من طرحها في السوق. وتُعد “U7” ثاني سيارة كهربائية تطلقها الشركة بعد الطراز الرياضي “SU7” الذي طرحته في مارس/آذار 2024، مؤكدة بذلك قدرتها على اختراق قطاع عجزت فيه شركات عملاقة، مثل آبل، التي أنهت مشروعها بعد عقد من الخسائر.

300 ألف سيارة خلال 15 شهراً

منذ إعلانها دخول سوق السيارات الكهربائية في 2021، وضعت شاومي أكثر من 300 ألف سيارة على الطرقات الصينية في غضون 15 شهراً فقط، مع وجود قوائم انتظار تمتد لأكثر من عام، حسب الإيكونوميست. وعلى الرغم من أن هذا القطاع لا يزال يسجل خسائر مالية، فإن لي جون أكد أن نقطة التحوّل نحو الربحية ستبدأ في وقت لاحق من هذا العام، وهو إنجاز نادر في سوق تتميز بشدة المنافسة وتعدد اللاعبين.

أسباب التفوق.. تصنيع سريع وكفاءة محلية

يعزو محللو الصحيفة البريطانية نجاح شاومي إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها الخبرة الصينية الكبيرة في تصنيع السيارات، وسهولة تأسيس المصانع في فترات قصيرة، إضافة إلى وفرة المكونات المحلية وانخفاض تكاليف الإنتاج. إلا أن أحد أهم أسرار النجاح، بحسب الصحيفة، هو الإشراف المباشر للي جون على مشروع السيارات، خلافاً لما فعلته آبل التي أوكلت مشروعها إلى إدارات متعددة دون قيادة مركزية واضحة.

تحول استراتيجي في نموذج التصنيع

قبل دخولها عالم السيارات، كانت شاومي تعتمد كلياً على التصنيع الخارجي، على غرار ما تقوم به آبل. لكن مع التحوّل الجديد، أنشأت الشركة مصنعاً مملوكاً بالكامل في بكين لتصنيع سياراتها، وتوسعت لاحقاً لتنتج هواتفها الذكية داخل منشآت جديدة، وتبني حالياً مصنعاً آخر في ووهان لإنتاج الأجهزة الذكية، بدءاً بمكيفات الهواء.

وتعد هذه الخطوة نقلة هيكلية في نموذج أعمال شاومي، تهدف إلى رفع كفاءة الإنتاج، تقليل الاعتماد على الموردين، وتعزيز قدرتها التنافسية في الأسواق.

جماهيرية هائلة وولاء فريد

يُعرف لي جون في الصين بشعبيته الطاغية، حتى وُصف بأنه “ستيف جوبز الصين”. وبفضل هذا الحضور، خلقت شاومي قاعدة جماهيرية ضخمة تُعرف باسم “Mi Fans”، يتهافت أفرادها على اقتناء كل جديد من منتجات الشركة، من الهواتف وحتى السيارات.

رغم حادث مأساوي أودى بحياة ثلاثة طلاب في مارس/آذار الماضي نتيجة تفعيل نظام القيادة الذاتية في سيارة “SU7″، لم يتأثر الطلب على طراز “U7″، ما يعكس ثقة السوق في العلامة التجارية وقدرتها على تجاوز الأزمات.

قاعدة مستخدمين عالمية وتمدد في الخارج

بحسب الإيكونوميست، بلغ عدد المستخدمين الشهريين لشاومي 700 مليون مستخدم بنهاية 2024، بزيادة 10% عن العام السابق. وتعتمد الشركة على متجرها الإلكتروني لتسويق منتجاتها، حيث تأتي نحو نصف أرباحها من الإعلانات والألعاب. كما يستفيد التطبيق من استراتيجيات بيع ذكية تسهّل ترقية المستخدمين إلى منتجات ذات قيمة أعلى مثل السيارات.

وتشير الصحيفة إلى أن جيل الشباب الذين اشتروا أول هاتف من شاومي قبل عقد، باتوا اليوم في منتصف الثلاثينيات، وهو السن المثالي لاستهدافهم بسيارات كهربائية.

10 آلاف متجر جديد وخطط تصدير في 2027

تعتزم الشركة افتتاح 10 آلاف متجر جديد خارج الصين في السنوات القادمة، مقارنة بعدد محدود لم يتجاوز بضع مئات في السابق. ويأتي هذا التوسع في إطار خطة لتعزيز الوعي بالعلامة التجارية في الأسواق الدولية، استعداداً لتصدير السيارات في عام 2027.

ورغم أن اسم شاومي ما زال غير مألوف في كثير من الأسواق الغربية، وكذلك شخصية لي جون، فإن الشركة تراهن على نموذج التجزئة المباشرة لتعزيز الثقة وخلق حضور تدريجي في تلك الأسواق.

طموحات تقنية تتجاوز السيارات

لم تتوقف طموحات شاومي عند السيارات، بل امتدت إلى الروبوتات والشرائح الإلكترونية المتقدمة. ففي مايو/أيار، كشفت عن شريحة بتقنية 3 نانومتر من تصميمها، كما أطلقت روبوتاً شبيهاً بالبشر يُدعى “CyberOne”. وقد خصصت الشركة 3.4 مليارات دولار للبحث والتطوير في 2024، ما يمثل زيادة بنسبة 26% عن العام السابق، ويوازي تقريباً صافي أرباحها السنوية.

التحدي الأكبر.. تعدد الجبهات والمنافسة

ورغم النجاحات اللافتة، تحذر الإيكونوميست من أن أكبر تحدٍ يواجه شاومي هو الانخراط في معارك متزامنة في قطاعات شديدة التنافس. ففي سوق السيارات، لا تزال بعيدة عن منافسة شركات كبرى مثل “BYD” التي تبيع 200 ألف سيارة شهرياً، مقابل 20 ألفاً لشاومي. أما في قطاع الهواتف، فإن صعود هواوي مجدداً يمثل ضغطاً إضافياً على حصتها السوقية.

ومع ذلك، تختتم الصحيفة تقريرها بالتنبيه إلى أن “الرهان على ضعف شاومي قد يكون خطأً استراتيجياً”، مشيرة إلى أن براعة لي جون التسويقية ونهجه التدريجي في السيطرة قد يغيران قواعد اللعبة في السنوات القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى