اقتصاد

روسيا تتجه بقوة نحو الطاقة المتجددة لمواجهة العقوبات الغربية وبناء مستقبل اقتصادي مستدام

في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة والعقوبات الغربية المفروضة على قطاعات حيوية، وعلى رأسها قطاع الطاقة، تتبنى روسيا توجهًا استراتيجيًا جديدًا يهدف إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتوسيع استثماراتها في الطاقات المتجددة كأداة مقاومة للضغوط الاقتصادية والسياسية.

ويتساءل مراقبون ما إذا كان هذا التحول يمكن أن يشكل سلاحًا اقتصاديًا فعالًا بيد موسكو في مواجهة العقوبات الغربية، وإلى أي مدى تراهن روسيا على الشراكة مع الصين لتحقيق هذا الهدف الطموح.

إستراتيجية طاقوية حتى عام 2050

أكد ألكسندر نوفاك، نائب رئيس الوزراء الروسي، أن بلاده تحتل موقعًا فريدًا في منظومة الطاقة العالمية، مشيرًا إلى أن الطلب العالمي المتزايد على الطاقة يتطلب موارد بأسعار معقولة، وهو ما يحفّز روسيا على تنويع مصادرها الطاقوية.

وأشار نوفاك إلى أن استهلاك الطاقة الأولية قد يرتفع بنسبة 20% خلال العقدين القادمين، ليبلغ 25 مليار طن متري بحلول عام 2050، بزيادة 23% مقارنة بعام 2023. وبناء على هذه المعطيات، نشرت الحكومة الروسية في أبريل/نيسان 2025 إستراتيجية طاقة وطنية طويلة الأمد، تتضمن مشاريع طموحة لإنتاج 100 مليون طن من الوقود الأزرق بحلول عام 2030.

ويُعرّف الوقود الأزرق بأنه الهيدروجين المنتج من الغاز الطبيعي مع احتجاز انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مما يجعله أقل ضررًا من الهيدروجين الرمادي ويشكل خطوة نحو مزيج طاقوي منخفض الانبعاثات.

مشاريع رائدة في الطاقة المتجددة

وفقًا للموقع الرسمي للطاقة والصناعة الروسية، تشمل أبرز مشاريع الطاقة المتجددة في البلاد:

  • محطات الطاقة الشمسية التابعة لشركة “هيفيل”: بقدرة إجمالية بلغت 1.6 غيغاواط عام 2024، موزعة على مناطق من الجزء الأوروبي إلى أقصى الشرق الروسي.
  • مزارع الرياح لشركة “نوفافيند” التابعة لـ”روسآتوم”: بسعة تتجاوز 1 غيغاواط في جنوب روسيا.
  • محطات الطاقة الكهرومائية الصغيرة لشركة “روسغيدرو”: بقدرة تصل إلى 1.3 غيغاواط.
  • مشاريع شركة “فورفارد إينيرغو” لطاقة الرياح: بقدرة تشغيلية بلغت نحو 1.2 غيغاواط.
  • مبادرة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بالتعاون بين “روسآتوم” و”غازبروم”، وبتمويل حكومي بلغ 9.3 مليارات روبل (نحو 119 مليون دولار) في عام 2024.

التحول الطاقوي أداة استراتيجية لمواجهة الغرب

بحسب تقرير نشرته مجلة “المعلومات العلمية” الروسية، فإن تطوير قطاع الطاقة يعد محورًا رئيسيًا في الحفاظ على الأمن الاقتصادي الروسي في مواجهة القيود الغربية، عبر تنمية مشاريع الطاقة في مناطق مثل شرق سيبيريا وشبه جزيرة يامال والمنطقة الشمالية الغربية.

وأشار الباحث بيتروف أنتون ماركوفيتش، أستاذ العلوم الاقتصادية، إلى أن من أهداف هذه الاستراتيجية تطوير الصناعات التقنية والبتروكيميائية وشركات تكرير النفط، إلى جانب إصلاح البنية التحتية الكهربائية، بما يسهم في خفض اعتماد الاقتصاد الروسي على الطاقة التقليدية بحلول عام 2030.

وفي هذا الإطار، بدأ منذ عام 2021 تنفيذ مشروع المفاعل النووي التجريبي “بريست-OD-300”، الذي يسمح بإعادة تدوير الوقود المستهلك من المحطات النووية، مما يحد من التكاليف البيئية والمالية.

الصين شريك إستراتيجي في مسار التحول

برز التعاون الصيني الروسي كمحور أساسي في مساعي موسكو لتعزيز قطاع الطاقة المتجددة، حيث يُنتظر أن يبدأ تشغيل محطة الهيدروجين الأزرق في جزيرة ساخالين عام 2029، كمشروع مشترك بين البلدين.

ويرى الخبير في الشأن الصيني الدكتور غسان يوسف أن هذا التعاون يحمل منافع مزدوجة، إذ تقلل الصين اعتمادها على واردات النفط، بينما تستفيد روسيا من تصدير فائض إنتاجها النفطي. وأضاف أن القيود الغربية قد عمّقت التقارب الصيني الروسي، مما حول المنافسة السابقة إلى تحالف استراتيجي في مواجهة الهيمنة الغربية.

وأكد يوسف أن لدى البلدين إمكانيات ضخمة من حيث الموارد الطبيعية والخبرات التكنولوجية، مما يمكّنهما من تخطي العقوبات الغربية والمضي قدمًا في مشاريع الطاقة المستدامة.

شراكات روسية عربية لتعزيز الاستقرار الطاقوي

إلى جانب التعاون مع الصين، تعمل موسكو على تعزيز شراكاتها مع الدول العربية الغنية بالموارد، من خلال مشاريع طاقة متجددة واستثمارات تقنية تُسهم في دعم التحول البيئي والتنمية المستدامة بالمنطقة.

وقال أستاذ العلوم السياسية الدكتور علي الهيل إن التعاون الروسي العربي في مجال الطاقة ليس جديدًا، بل يعود إلى أكثر من 15 عامًا، مشيرًا إلى الدور المحوري الذي تلعبه قطر وروسيا في أسواق الطاقة العالمية، لا سيما في مجال إنتاج وتصدير الغاز.

ولفت إلى اهتمام دول الخليج، ومنها قطر، بالانضمام إلى تكتل “بريكس”، معتبرًا أن ذلك خطوة استراتيجية لتقليص الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي.

وأضاف الهيل أن التعاون العربي الروسي يشمل الاستثمار في الطاقة النظيفة، والهيدروجين الأخضر، والأمونيا الزرقاء، مشيرًا إلى أن قطر على سبيل المثال تصدّر السيليكون إلى روسيا والصين، مما يعكس أهمية هذه الشراكات في بناء نظام طاقوي عالمي متعدد الأقطاب.

ختامًا

يتضح أن روسيا، وسط أزماتها مع الغرب، لا تسعى فقط إلى الصمود بل إلى إعادة تشكيل خريطتها الاقتصادية والطاقوية بما يتماشى مع المتغيرات العالمية. وفي ظل الدعم الصيني والعلاقات الممتدة مع العالم العربي، قد تتمكن موسكو من تحويل التحديات الحالية إلى فرص استراتيجية لبناء منظومة طاقة مرنة ومبتكرة، تعزز أمنها القومي وتُسهم في خلق نظام عالمي جديد للطاقة.

زر الذهاب إلى الأعلى