اقتصاد

رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا: تحوّل استراتيجي وفرصة لإنعاش الاقتصاد

شهد شهر مايو/أيار 2025 تطوراً لافتاً في مسار الأزمة السورية، مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال زيارته إلى العاصمة السعودية الرياض يوم 13 من الشهر، عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا. وتبع هذا القرار خطوة مماثلة من الاتحاد الأوروبي، الذي أعلن في 20 مايو عن رفع جميع العقوبات المفروضة على دمشق.

وفي إطار تنفيذ هذا التحول، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية في 23 مايو “الرخصة العامة رقم 25” (GL 25)، والتي تتيح إجراء تعاملات مالية مع الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، بالإضافة إلى البنك المركزي السوري وعدد من المؤسسات الحكومية. كما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن إعفاء مؤقت لمدة 180 يوماً من العقوبات المنصوص عليها في “قانون قيصر”، بهدف تشجيع الاستثمار وتسهيل توفير الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه.

ويمثل هذا التغيير الجذري فرصة حقيقية لإعادة دمج الاقتصاد السوري في النظامين المالي والتجاري العالميين، إلا أن المختصين يؤكدون أن تأثير هذا القرار لن يكون فورياً، بل يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين لتحقيق تعافٍ اقتصادي مستدام.

تمييز بين نوعي العقوبات الأميركية

من الضروري التفرقة بين نوعين من العقوبات الأميركية:

  • العقوبات التنفيذية: تُفرض بقرار مباشر من الرئيس الأميركي، ويمكن رفعها بالأسلوب نفسه.
  • العقوبات التشريعية: يسنّها الكونغرس الأميركي، مثل “قانون قيصر”، ولا يمكن للرئيس إلغاؤها بشكل مباشر. ومع وجود أغلبية جمهورية في الكونغرس، هناك تفاؤل بإمكانية تمرير تشريعات جديدة لرفع هذه العقوبات.

أهداف التقرير

يستعرض هذا التقرير أبرز الآثار المحتملة لرفع العقوبات على الاقتصاد السوري، من خلال تناول:

  • القطاعات الاقتصادية التي ستتأثر.
  • سبل إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي.
  • فرص جذب الاستثمارات الأجنبية.
  • تأثيرات القرار على جهود إعادة الإعمار.
  • مستقبل الليرة السورية.
  • آفاق تعافي قطاع النفط والغاز.

القطاعات الاقتصادية الأكثر تأثراً

1. قطاع النقل والطيران
يُتوقع أن يشهد قطاع النقل والطيران قفزة نوعية، بعد سنوات من الشلل نتيجة نقص قطع الغيار وعزلة شركات الطيران السورية، خصوصاً “السورية للطيران”. ووفقاً للخبير لينوس باور، فإن رفع العقوبات سيمكّن هذه الشركات للمرة الأولى منذ سنوات من شراء قطع الغيار الأصلية من شركات مثل “إيرباص” و”بوينغ”، مما يرفع من مستوى السلامة التشغيلية.

2. القطاع المصرفي والمالي
عانى هذا القطاع من عزلة تامة عن النظام المالي العالمي. ومع رفع العقوبات، من المنتظر تحسن تدريجي في العمليات المصرفية، وعودة بعض القنوات المالية إلى العمل.

3. قطاع النفط والغاز
من أبرز القطاعات المتضررة سابقاً، نتيجة حظر تصدير النفط ومنع استيراد المعدات اللازمة للصيانة والتطوير. رفع العقوبات سيمهّد لاستعادة جزء من الإنتاج والطاقة التكريرية.

4. الزراعة والصناعة التحويلية
تأثرت هذه القطاعات بسبب صعوبة استيراد المواد الأولية والتجهيزات. ويشير الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل إلى أن رفع العقوبات سيتيح إعادة ربط هذه القطاعات بالأسواق العالمية، مما يساعد في تشغيل المنشآت الصناعية المتوقفة جزئياً أو كلياً.

5. قطاع الاتصالات والتكنولوجيا
عانى هذا القطاع من عزلة تكنولوجية، نتيجة الحظر المفروض على البرمجيات والمعدات الحديثة. ومع رفع العقوبات، يُتوقع أن يشهد نمواً سريعاً وإقبالاً على تحديث البنية التحتية الرقمية.

الليرة السورية: مؤشرات انتعاش مشروطة

عقب الإعلان عن رفع العقوبات، ارتفعت قيمة الليرة السورية بشكل حاد، حيث سجلت 9500 ليرة مقابل الدولار الواحد، مقارنة بـ13 ألف ليرة سابقاً. ويعزو الخبير الاقتصادي د. يحيى السيد عمر هذا الارتفاع إلى نقص الكتلة النقدية في السوق، إلا أنه يحذّر من طباعة العملة في الخارج، والتي قد تؤدي إلى تراجع جديد في القيمة.

ويضيف أن التحسن المستدام لليرة مرهون بزيادة الإنتاج والتصدير وتقليص الاستيراد. من جانبه، يرى المغربل أن الأثر الفوري يعكس “توازن التوقعات” في السوق، حيث يتحول السلوك الاقتصادي من الترقب السلبي إلى التفاعل الإيجابي، مما يعزز الثقة في العملة المحلية ويقلل من الدولرة والاكتناز.

نتائج فورية وأخرى تدريجية

يرى د. السيد عمر أن آثار رفع العقوبات ستظهر تدريجياً، لكن مؤشرات التعافي الاقتصادي يمكن أن تبدأ بالظهور خلال عام واحد. ويشير المغربل إلى أن التحويلات المالية من الخارج ستنتعش مع تحسن بيئة المخاطر، وهو ما يسهم في دعم ميزان المدفوعات وتعزيز القوة الشرائية.

سوريا: بيئة استثمارية جديدة

يمثل رفع العقوبات خطوة كبيرة نحو جعل سوريا أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب. ويؤكد الخبير المصرفي إبراهيم ناجي قوشجي أن هذا القرار قد يعيد توجيه الاقتصاد السوري نحو اندماج أعمق مع الأسواق المتقدمة، ويوسّع من نطاق علاقات التجارة والاستثمار.

ويوضح د. السيد عمر أن رفع العقوبات سيساعد في استعادة الأموال المجمدة وتسهيل الاستيراد والتصدير. أما المغربل، فيشير إلى إمكانية إعادة تموضع سوريا تجارياً في المنطقة، لا سيما في أسواق العراق، الأردن، ولبنان، وقد تمتد لاحقاً إلى الخليج وشمال أفريقيا.

ويرى أن إزالة القيود البنكية سيمكّن الصادرات السورية – خصوصاً المنتجات الغذائية والنسيجية والزراعية – من العودة إلى أسواقها التقليدية، مما يدعم الميزان التجاري.

تعزيز البيئة الاستثمارية

لضمان الاستفادة من هذا الانفراج، يؤكد السيد عمر ضرورة تحديث البيئة التشريعية وتقديم حوافز مثل الإعفاءات الضريبية، لأن الشركات العالمية تبحث عن بيئة مستقرة وآمنة.

أما المدير الإقليمي لشركة Traze للخدمات المالية، أسامة الصيفي، فيعتبر أن إزالة العقوبات الأميركية تمثل بداية تحول حقيقي، يتطلب مواكبة سورية عبر إصلاحات هيكلية لتعزيز الثقة وتشجيع الاستثمارات طويلة الأجل.

زر الذهاب إلى الأعلى