دراسة جديدة تمهد الطريق لاستخدام أوسع لتقنية فتح الحاجز الدموي الدماغي لعلاج أمراض الدماغ

كشفت دراسة علمية حديثة عن آفاق واعدة لتوسيع استخدام تقنية تجريبية تعتمد على الموجات فوق الصوتية لفتح الحاجز الدموي الدماغي، مما قد يحدث نقلة نوعية في علاج وتشخيص أورام الدماغ وعدد من أمراض الجهاز العصبي المستعصية.
ووفقًا للدراسة التي نُشرت في مجلة “ديفايس” (Device) في 25 أغسطس/آب الماضي، فقد تمكن الباحثون من تحديد بصمة دقيقة للانبعاثات الصوتية يمكن الاعتماد عليها كمؤشر موثوق لقياس مدى نجاح عملية فتح الحاجز الدموي الدماغي، إلى جانب تقديم وصف تقني تفصيلي لهذه الآلية المتقدمة.
الحاجز الدموي الدماغي: حماية ضرورية وتحدٍّ علاجي
يُعد الحاجز الدموي الدماغي نظام الأمان الحيوي للدماغ، إذ يتكون من شبكة معقدة من الخلايا الوعائية والدماغية تمنع تسلل السموم والميكروبات الخطرة. غير أن هذا الحاجز ذاته يحدّ من فعالية العلاجات الدوائية، خاصة أدوية العلاج الكيميائي المستخدمة ضد أورام الدماغ، مما يجعل تجاوزه بشكل آمن تحديًا كبيرًا أمام الأطباء.
تقنية مبتكرة لفتح الحاجز الدموي
تعتمد التقنية الجديدة على حقن فقاعات مجهرية مملوءة بغاز خامل في مجرى دم المريض، ثم تحفيزها بواسطة موجات فوق صوتية منخفضة الشدة في المنطقة المستهدفة داخل الدماغ. وتؤدي هذه العملية إلى اهتزاز الفقاعات وإحداث اضطرابات مؤقتة في جدران الأوعية الدموية الدماغية، ما يسمح بمرور الأدوية إلى الأنسجة الدماغية.
وأوضح الدكتور بافلوس أناستاسياديس، الأستاذ المساعد في جراحة المخ والأعصاب بجامعة ولاية ميشيغان والمشارك في إعداد الدراسة، أن “اهتزاز الفقاعات الدقيقة بفعل الموجات فوق الصوتية يؤدي إلى اضطرابات ميكانيكية مؤقتة تتيح فتح الحاجز الدموي الدماغي دون التسبب في ضرر دائم”.
وأظهرت النتائج أن الإشارات الصوتية المنبعثة من تذبذب هذه الفقاعات تمثل مؤشرًا دقيقًا وموثوقًا لتحديد ما إذا تم فتح الحاجز بنجاح لدى المرضى.
تجربة سريرية على عشرات المرضى
قاد الدراسة فريق من الأطباء والعلماء والمهندسين بقيادة الدكتور غرايم وودورث، أستاذ ورئيس قسم جراحة المخ والأعصاب في جامعة ميريلاند، ومدير برنامج علاج أورام الدماغ في مركز مارلين وستيوارت غرينباوم الشامل للسرطان.
وجمع الفريق بيانات من 34 مريضًا مصابًا بـ الورم الأرومي الدبقي، تلقى كل منهم ما يصل إلى ست دورات علاجية شهرية، تضمنت ما مجموعه 972 جلسة من الموجات فوق الصوتية المركزة، وذلك لتحديد أنجع الطرق لتحقيق فتح مستقر وآمن للحاجز الدموي الدماغي.
خطوة نحو توحيد المعايير العلاجية
أشار الدكتور وودورث إلى أن الدراسة تمثل خطوة مهمة لتوحيد منهجية استخدام الموجات فوق الصوتية المركزة في العلاجات المستقبلية، قائلاً:
“مع تعدد الأجهزة واختلاف معايير المراقبة والتحكم، نحن بحاجة إلى نظام موحد يتيح قياس فعالية العلاج ومقارنته عبر مختلف البيئات السريرية”.
وأضاف أن مراقبة الانبعاثات الصوتية أثناء العلاج توفر وسيلة دقيقة لتقييم الجرعات وضبطها في الوقت الفعلي، مما يسهم في تطوير نموذج علاجي أكثر أمانًا وفعالية.
امتداد لأبحاث رائدة منذ التسعينيات
من جانبها، قالت الدكتورة ألكسندرا غولبي، مديرة جراحة المخ والأعصاب الموجهة بالصور في مستشفى بريغهام والنساء والمؤلفة الرئيسية للدراسة، إن هذا البحث يستند إلى أعمال رائدة بدأت في تسعينيات القرن الماضي عندما استُخدمت الفقاعات الدقيقة لأول مرة لفتح الحاجز الدموي الدماغي.
وأضافت:
“عملنا الحالي يطور تلك التجارب المبكرة ليقدم تقنية آمنة وعملية يمكن استخدامها بشكل متكرر لدى مرضى الورم الأرومي الدبقي قبل تلقي العلاج الكيميائي، مما يفتح المجال لعصر جديد من الطب الدقيق لعلاج أمراض الدماغ.”
تُعد هذه النتائج خطوة محورية نحو تغيير الطريقة التي تُعالج بها أورام الدماغ، إذ تمنح الأطباء القدرة على إيصال الدواء مباشرة إلى أنسجة الدماغ بطرق أكثر دقة وأمانًا من أي وقت مضى.





