“خطة ينون”.. الإستراتيجية الإسرائيلية لتفتيت المنطقة العربية

في عام 1982، نشر الدبلوماسي والصحفي الإسرائيلي عوديد ينون –الذي عمل في وزارة الخارجية الإسرائيلية– مقالا تحليليا في مجلة كيفونيم (اتجاهات) التابعة للمنظمة الصهيونية العالمية، بعنوان: “إستراتيجية لإسرائيل في ثمانينيات القرن العشرين”.
وقد أثار المقال ضجة كبيرة وارتبط اسمه بما صار يعرف لاحقًا بـ “خطة ينون”، إذ قدّم رؤية إستراتيجية شاملة لمستقبل إسرائيل في محيطها العربي، تقوم على تفتيت الدول المجاورة إلى كيانات أصغر على أسس طائفية وإثنية، بما يضمن بقاء التفوق الإسرائيلي.
خلفية الفكرة: التفوق عبر التفكيك
يرى ينون أن إسرائيل تواجه واقعا دوليا جديدا مطلع الثمانينيات، حيث يشهد الغرب حالة تراجع حضاري وضغوطا متزايدة من الاتحاد السوفياتي والعالم الثالث، وهو ما يجعل إسرائيل –في تصوره– الملاذ الأخير لليهود.
وانطلق في تحليله من فرضية أن الدول العربية المحيطة بإسرائيل هشّة بطبيعتها، إذ نشأت نتيجة تقسيمات استعمارية أوروبية أفرزت نحو 19 كيانا غير متجانس، تتصارع داخله الأقليات والأكثريات، ما يجعلها قابلة للتشظي والانقسام.
النموذج اللبناني وتفكيك المحيط
استشهد ينون بالحرب الأهلية اللبنانية باعتبارها نموذجا يمكن أن يتكرر في بقية المنطقة. وذهب إلى أن كل صراع داخلي عربي–عربي هو مكسب لإسرائيل، إذ يضعف الدول المحيطة ويجعلها غير قادرة على تشكيل تهديد جماعي.
وبنى تصوره على أن إعادة تشكيل المنطقة على أسس طائفية وإثنية سيجعل إسرائيل الأقوى عسكريا واستراتيجيا لعقود طويلة.
مصر في الاستراتيجية الإسرائيلية
انتقد ينون اتفاقية كامب ديفيد، معتبرا أن الانسحاب من سيناء كان خطأ إستراتيجيا. ورأى أن تفكيك مصر إلى كيانات متعددة –من بينها كيان قبطي في صعيد مصر– هو الطريق الأمثل لإضعافها، معتبرا أن انهيار مصر سيجرّ معه دولا أخرى كالسودان وليبيا.
بلاد الشام والعراق
دعا ينون إلى تفكيك الأردن عبر دفع الفلسطينيين للانتقال شرقا، كما توقّع إعادة تركيب لبنان وسوريا على أسس طائفية، بحيث تنشأ دول علوية وسنية ودرزية متفرقة.
أما العراق، فاعتبره التهديد الأكبر لإسرائيل بسبب ثرواته النفطية وموقعه الجيوسياسي، داعيا إلى تقسيمه إلى ثلاثة كيانات: شيعي في الجنوب، وسني في الوسط، وكردي في الشمال.
من النص إلى التطبيق
لم يبق المقال مجرد رؤية نظرية، بل جرى تداوله على نطاق واسع، خاصة بعد أن ترجمه المفكر الإسرائيلي إسرائيل شاحاك بعنوان الخطة الصهيونية للشرق الأوسط. ورأى شاحاك أن خطة ينون تعكس اتجاها حقيقيا في عقل القيادة الإسرائيلية التي اعتمدت على التفتيت والتوسع الدائم.
وقد أعيد إحياء بعض أفكارها لاحقا في وثائق سياسية مثل تقرير “كسر نظيف” (1996) الذي صاغه فريق يقوده ريتشارد بيرل في واشنطن، وكان من أبرز مراجع المحافظين الجدد في غزو العراق عام 2003.
صدى الخطة في سياسة نتنياهو
تجد خطة ينون اليوم صدى واضحا في سياسات اليمين الإسرائيلي بزعامة بنيامين نتنياهو، الذي لا يكتفي بالمشاريع الاستيطانية داخل فلسطين، بل يروج لضم أراضٍ جديدة، مثل غور الأردن وشمال البحر الميت.
كما يتبنى خطابا يميل إلى التفتيت الإقليمي، من خلال التدخل المباشر في دول الجوار ودعم الأقليات، على نحو يعيد إنتاج رؤية ينون في ثوب جديد.
الخلاصة
بعد أكثر من أربعة عقود على نشرها، ما زالت “خطة ينون” تُقرأ باعتبارها وثيقة تكشف الطموح الإسرائيلي في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. ورغم ما أثير حولها من جدل، فإن سياسات إسرائيل العملية في فلسطين والمنطقة توحي بأن هذه الرؤية –ولو بشكل جزئي– لم تظل مجرد تحليل أكاديمي، بل تحولت إلى نهج إستراتيجي متواصل في التعامل مع المحيط العربي.