خطة مجلس السلام الدولي لإدارة غزة.. بين الطموح السياسي ومخاطر الوصاية الدولية

يثير الحديث عن مستقبل “مجلس السلام” الدولي المقترح لإدارة قطاع غزة جدلاً واسعاً بين الخبراء في السياسة والقانون الدولي، وسط تساؤلات حول قدرة المجتمع الدولي على إيجاد صيغة انتقالية واقعية تتجاوز إخفاقات الماضي، وتوازن بين المتطلبات الإنسانية والسياسية الملحّة بعد العدوان الإسرائيلي على القطاع، وما تبعه من اتفاق هش لوقف إطلاق النار هذا الشهر بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل.
وتتباين آراء المحللين بشأن فرص نجاح إدارة دولية في غزة، فبينما يرى البعض أنها قد تشكل حلاً مؤقتاً لإعادة الإعمار واستعادة الخدمات، يحذر آخرون من خطر فرض الوصاية على الفلسطينيين وتكرار أخطاء الإدارات السابقة، خصوصاً في ظل غياب ضمانات حقيقية لمشاركة القوى الفلسطينية ووجود ضامن إقليمي يمنع الانحياز أو التمدد في الصلاحيات.
جدل حول جدوى الإدارة الدولية
يرى أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العربية الأميركية الدكتور رائد أبو بدوية أن اللجوء إلى إدارة دولية غالباً ما يكون نتيجة لانهيار مؤسسات الدولة وتعطل الأمن، وهو إجراء مؤقت يهدف إلى تثبيت الاستقرار وتقديم الخدمات إلى حين استعادة الحكم الوطني. ويؤكد أن نجاح أي إدارة من هذا النوع مرهون بوضوح التفويض الدولي ووجود دعم إقليمي وضمان مشاركة فلسطينية حقيقية.
أما الخبير في القانون الدولي الدكتور أنيس القاسم فيوضح أن الإدارات الدولية عادة ما تُستخدم كحل توافقي بين القوى الكبرى لتجنب الصدام المباشر، لكنها نادراً ما تحقق طموحات الشعوب المحلية، مستشهداً بتجارب شنغهاي والبوسنة وكوسوفو التي لم تنجح في بناء شرعية وطنية دائمة.
وتتفق الباحثة في جامعة برينستون هيذر بيناتزر مع هذا الرأي، معتبرة أن هذا النموذج يُستخدم عادة كأداة لتسويات جيوسياسية مؤقتة لا تهدف إلى بناء شرعية سياسية حقيقية، حيث يسعى المجتمع الدولي إلى تحقيق “استقرار فوري” ولو على حساب المشاركة المحلية.
قراءة في التجارب السابقة
أثبتت التجارب السابقة أن نجاح الإدارات الدولية كان محدوداً ومؤقتاً. ففي تيمور الشرقية تحقق انتقال ناجح نسبياً بفضل وضوح التفويض والدعم الإقليمي، بينما فشلت نماذج أخرى مثل كمبوديا وكوسوفو في تحقيق استقرار دائم. ويشير القاسم إلى أن التجارب السابقة تكشف أن غياب المشاركة المحلية الحقيقية يؤدي دائماً إلى تآكل الشرعية وانهيار النظام الدولي بمجرد انسحاب القوى الخارجية.
وتحذر بيناتزر من أن معظم الإدارات الدولية عانت من عجز في الشرعية وتركز للسلطة في أيدي بيروقراطيين أجانب، مما يؤدي إلى تهميش السكان المحليين. أما مدير مركز الزيتونة للدراسات محسن صالح فيرفض فكرة “مجلس السلام” من الأساس، معتبراً أنها استمرار لمحاولات فرض الوصاية على الفلسطينيين ومنح الاحتلال غطاءً سياسياً جديداً.
مستقبل غزة بين الوصاية والإرادة الفلسطينية
يرى الخبراء أن نجاح أي خطة لإدارة غزة يتوقف على مدى احترام الإرادة الفلسطينية، وأن أي تجاهل للمكونات المحلية سيؤدي إلى فشل ذريع. ويؤكد صالح أن جوهر المشكلة لا يكمن في غياب إدارة فلسطينية، بل في استمرار الاحتلال، مضيفاً أن الشعب الفلسطيني يمتلك الكفاءات لإدارة نفسه بمجرد زوال الاحتلال دون الحاجة لأي وصاية خارجية.
وتشير بيناتزر إلى أن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإقامة إدارة دولية في غزة تكرر أخطاء الماضي، لأنها تفتقد المشاركة الفلسطينية وتخدم حسابات سياسية أكثر من اهتمامها بإعادة بناء مؤسسات شرعية.
أما القاسم فيرى أن “مجلس السلام” المقترح يحمل بذور فشله مسبقاً بسبب طبيعة قيادته، منتقداً ترشيح توني بلير لقيادته بسبب سجله السلبي في المنطقة، محذراً من تداخل المصالح الاقتصادية لبعض أعضائه مع الأوضاع الإنسانية في غزة.
وفي المقابل، يربط أبو بدوية أي احتمال لنجاح الإدارة الدولية بوجود تفويض محدد المدة، ودعم إقليمي متوازن، ومشاركة شاملة للفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة حماس، لضمان الواقعية والقبول الشعبي.
خلاصة الموقف
تجمع آراء الخبراء على أن “مجلس السلام” الدولي – إن أُقر فعلاً – لن يكون سوى إجراء مؤقت فرضته تداعيات عدوان مدمر استمر عامين، وأسفر عن عشرات الآلاف من الضحايا والمفقودين تحت الركام. ومع استمرار خروقات إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تبقى الشكوك قائمة حول إمكانية نجاح أي إدارة خارجية في فرض الاستقرار، ما لم تكن نابعة من الإرادة الفلسطينية وتستند إلى رؤية وطنية واضحة تضمن إنهاء الاحتلال لا تكريسه.







