جيوفاني دوس سانتوس.. بين وعود المجد وانكسارات الواقع

منذ أن وطأت قدم جيوفاني دوس سانتوس ملاعب الكرة، بدا وكأن العالم على موعد مع أسطورة جديدة. مهاراته الفطرية ولمساته المتوهجة أوحت لمتابعيه بأنه “ميسي المكسيك”، بينما رآه آخرون ظلًا من سحر مارادونا. لكن، كما في مراوغاته السريعة، جاءت مسيرته كرحلة متعرجة بين الإبداع والتعثر، وبين المجد المبكر والانطفاء المفاجئ.
من مونتيري إلى لا ماسيا.. الحلم يبدأ
وُلد جيوفاني في مونتيري عام 1989، ونشأ تحت إشراف والده “زيزينهو” النجم البرازيلي السابق الذي صقل موهبته، ليظهر مبكرًا كمزيج نادر من المهارة اللاتينية والإصرار المكسيكي.
في الثالثة عشرة من عمره، التحق بمدرسة برشلونة العريقة “لا ماسيا”، حيث زامل نجومًا مثل ليونيل ميسي وجيرارد بيكيه وبويان كركيتش. وفي عام 2007، حظي بفرصته في الفريق الأول، وختم موسمه الأول بتوقيع “هاتريك” لافت في الجولة الأخيرة من الدوري الإسباني.
لكن الطريق لم يكن مفروشًا بالورود. ففي نادٍ مزدحم بالنجوم والضغوط، لم يجد جيوفاني موطئ قدم دائم، ليبدأ فصلًا جديدًا في مسيرته، عنوانه: البحث عن الذات.
توتنهام.. التجربة الصعبة
في 2008، انتقل إلى توتنهام على أمل انطلاقة جديدة في الدوري الإنجليزي، إلا أن الإصابات، والسهر، والمشكلات الانضباطية عرقلت مساره. رغم بعض الومضات خلال فترات الإعارة، بدت موهبته تتآكل أمام أعين الجميع.
عودة الأمل في الليغا
كانت عودته إلى الليغا عبر مايوركا ثم فياريال بمثابة محاولة لاستعادة البريق. وفي فياريال تحديدًا، أظهر نسخة أكثر نضجًا من نفسه. سجّل، صنع، وراوغ بجمال، لكنه لم يلبث أن اصطدم مجددًا بشبح الإصابات وعدم الاستقرار، ليعود التراجع إلى الواجهة.
تألق بقميص المكسيك
إذا كان جيوفاني قد خيّب الآمال على مستوى الأندية، فقد عوّض ذلك جزئيًا مع منتخب بلاده. تألق منذ أن توّج بكأس العالم تحت 17 عامًا عام 2005، وترك بصمته بهدف خرافي ضد الولايات المتحدة في نهائي الكأس الذهبية عام 2011. سجل 19 هدفًا دوليًا في نحو 100 مباراة، وشارك في ثلاث نسخ من كأس العالم، ليصبح أحد أبرز وجوه “إل تري” في العقدين الأخيرين.
محطة أميركا.. ضجة بلا إنجاز
في 2015، خاض مغامرة جديدة في الدوري الأميركي مع نادي لوس أنجلوس غالاكسي، حيث قدّم بداية جيدة وأثار ضجة إعلامية، لكن الحماس ما لبث أن خفت، ومع حلول عام 2019، أصبح خروجه من الفريق مؤشرا على أفول نجمه.
العودة إلى المكسيك من بوابة نادي أميركا كانت خجولة. لم ينجح في استعادة بريقه، وانتهى عقده في 2021 دون نادٍ، لتخفت الأضواء نهائيًا حول اسمٍ كان يُنظر إليه يومًا كرمزٍ لجيل ذهبي قادم.
لحظات من الجمال تكفي أحيانًا
ربما لم يحقق جيوفاني دوس سانتوس ما كان يُنتظر منه، ولم يصل إلى مصاف النجوم الذين زاملهم في برشلونة، لكنه ترك خلفه إرثًا من اللحظات الساحرة: هدفٌ أسطوري في نهائي الكأس الذهبية، لمحات فنية في الليغا، وأشواط حريرية حملت معها وعدًا لم يكتمل.
وفي زمن أصبحت فيه كرة القدم أرقامًا وجوائز، يظل جيوفاني شاهدًا على أن الجمال في بعض الأحيان، يكفي لصناعة أسطورة… حتى وإن لم تدم طويلًا.