الأخبار الدولية

ثورة الشركات الناشئة في صناعة الدفاع: عصر جديد من الحروب عالية التقنية

في عالم يزداد اضطرابا وتوترا، ومع تصاعد الصراعات من أوكرانيا إلى بحر البلطيق، تدخل صناعة الحرب العالمية مرحلة غير مسبوقة تقودها شركات ناشئة تستند إلى الذكاء الاصطناعي والروبوتات والتقنيات الرقمية المتقدمة. مسار جديد يعيد تشكيل موازين القوة العسكرية ويغير القواعد التقليدية التي حكمت سوق الدفاع لعقود طويلة.

صحيفة نيويورك تايمز أشارت إلى أن تريليونات الدولارات التي تنفقها الحكومات استعدادا لعصر من الحروب عالية التقنية في عالم أكثر قابلية للاشتعال، دفعت الدول الأوروبية إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها الدفاعية وتحديث ترساناتها بوسائل أكثر مرونة وسرعة.

جيل جديد من الشركات الدفاعية

أبرزت الصحيفة بروز جيل جديد من الشركات الناشئة التي كسرت النموذج التقليدي لصناعة الدفاع، إذ لم تعد تنتظر التمويل الحكومي أو العقود العسكرية الطويلة، بل يعتمد مستثمروها على أموالهم الخاصة لتسريع الابتكار وإنتاج النماذج الأولية. ويصف غوندبرت شيرف، المستشار السابق في وزارة الدفاع الألمانية وأحد مؤسسي شركة هلسينغ، هذا التحول بأنه “ثورة كبيرة في صناعة الدفاع”.

تحديثات متسارعة وابتكارات جريئة

شركة هلسينغ، التي تتخذ من ميونخ مقرا لها، مثال بارز على هذا التوجه؛ فقد بدأت بتزويد أوكرانيا بطائرات مسيّرة يتم تحديثها بشكل دوري لمواكبة المتغيرات الميدانية والتكنولوجية، حتى بلغت قيمتها السوقية نحو 12 مليار يورو، لتصبح واحدة من أضخم الشركات الناشئة في أوروبا.

ورغم أن هذا النهج “من الأسفل إلى الأعلى” يعد بقدرة تنافسية وابتكارات أسرع، فإنه يثير مخاوف تتعلق بتعارض أولويات المستثمرين مع الأهداف الإستراتيجية للدول، فضلا عن القلق من تضخيم المجمع الصناعي العسكري أو إساءة استغلال التكنولوجيا المتقدمة.

أوكرانيا.. نقطة التحول الكبرى

ترى الصحيفة أن الحرب في أوكرانيا شكّلت نقطة التحول الأهم، حيث دفعت شركات أميركية مثل سبيس إكس وبالانتير عقلية وادي السيليكون نحو عالم الدفاع منذ مطلع الألفية. لكن الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 عجّل بانتقال هذه العقلية إلى أوروبا، وفتح الباب أمام موجة ضخمة من الاستثمارات في الشركات الدفاعية الناشئة.

فقد قفزت الاستثمارات المرتبطة برأس المال المخاطر في هذا القطاع إلى 31 مليار دولار عام 2024، بزيادة 33% عن العام السابق، فيما تضاعفت الاستثمارات الأوروبية خمس مرات خلال ثلاث سنوات فقط.

من “صراصير التجسس” إلى مقاتلات غير مأهولة

لم يقتصر الأمر على الشركات الناشئة مثل هلسينغ، بل امتد إلى شركات أخرى مثل إيه آر إكس روبوتيكس وسورم بيوتاكتيكس، التي تطور روبوتات تجسس صغيرة شبيهة بالصراصير لجمع المعلومات في بيئات وعرة.

كما تعمل شركات مثل سارونيك تكنولوجيز على بناء سفن غير مأهولة بتمويلها الخاص، بينما تطور شركات بريطانية مثل كامبريدج إيروسبيس أنظمة لاعتراض الطائرات المسيّرة، وكراكن تكنولوجي قوارب ذاتية القيادة بأسعار تنافسية تصل إلى 250 ألف دولار فقط.

أما هلسينغ، فقد توسعت في شراء شركات طيران ألمانية وتطوير برامج ذكاء اصطناعي متقدمة، بل أعلنت عن إنتاج مقاتلة غير مأهولة أطلقت عليها اسم CA-1 Europa، يتوقع أن تصبح جاهزة للمهام خلال أربع سنوات فقط.

تحديات بين الابتكار والمصالح الوطنية

ورغم هذا الزخم، تظل التحديات قائمة؛ إذ لا يتعلق النجاح في هذا القطاع بالتكنولوجيا وحدها، بل بالقدرة على التعامل مع أنظمة المشتريات الحكومية المعقدة. كما أن أولويات المستثمرين القائمة على الربح قد تتعارض مع المصالح الإستراتيجية للدول.

وكما قال كريس سيلفان، مؤسس شركة كامبريدج إيروسبيس: “البيع للحكومة أمر صعب، لكنه يجب أن يكون كذلك.. فنحن نتعامل مع أموال دافعي الضرائب”.

زر الذهاب إلى الأعلى