تينسنت الصينية تدخل بقوة إلى أسواق الخليج: شراكات رقمية، تقنيات متقدمة، ورؤية محلية للمستقبل الذكي

في وقت تتسابق فيه دول الخليج لبناء مدن ذكية واقتصاديات رقمية قائمة على الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، تشهد المنطقة تنافسًا متصاعدًا بين عمالقة التكنولوجيا العالمية. ولكن اللافت أن الزخم الأكبر لا يأتي هذه المرة من وادي السيليكون، بل من شنجن الصينية، حيث تتحرك شركة تينسنت (Tencent) بخطى واثقة لترسيخ حضورها في قلب التحول الرقمي الخليجي.
وفي حوار خاص مع الجزيرة نت، يكشف دان هو، نائب رئيس تينسنت السحابية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عن ملامح استراتيجية الشركة في الخليج، بدءًا من إنشاء بنية تحتية سحابية متقدمة في السعودية، وصولًا إلى تقديم حلول تطبيقات فائقة وبشر رقميين وتقنيات تحقق بيومتري تعيد تعريف تجربة المستخدم.
بوابة سحابية تنطلق من الرياض
أعلنت تينسنت كلاود عن إطلاق أول منطقة سحابية لها في الشرق الأوسط انطلاقًا من الرياض، في خطوة تُعد جزءًا من استثمار طويل الأمد بقيمة 150 مليون دولار، يهدف إلى دعم البنية التحتية والعمليات التشغيلية خلال السنوات المقبلة.
تتضمن هذه المنطقة مركز بيانات متقدم يضم “منطقتي توافر” (Availability Zones)، مع بنية تكرار بيانات كاملة، وهو ما يعزز جاهزيتها لخدمة قطاعات حيوية مثل الإعلام الرقمي، الألعاب الإلكترونية، الخدمات المالية، الاتصالات، والسياحة.
ويقول دان هو: “الخليج يشهد تحولات رقمية متسارعة ضمن استراتيجيات التنويع الاقتصادي، ونحن نحرص على أن نكون شريكًا موثوقًا في هذا التحول، من خلال تقديم حلول سحابية وذكاء اصطناعي قابلة للتوسع وتكيّف مع خصوصيات السوق”.
“سوبر آب”: تينسنت تجلب تجربة وي تشات إلى الخليج
من أبرز ما تسعى تينسنت لتصديره إلى المنطقة هو نموذج التطبيقات الفائقة (Super Apps)، وهو مفهوم حظي بنجاح كبير في الصين عبر تطبيق “وي شين” (Weixin)، النسخة المحلية من “وي شات”، الذي يجمع بين التراسل الفوري والدفع الإلكتروني والخدمات اليومية في منصة موحدة يستخدمها أكثر من مليار شخص.
في الخليج، تتزايد الحاجة إلى تجارب رقمية متكاملة تقلل من التشتت بين التطبيقات، وتقدم خدمات موحدة تسهّل حياة المستخدم. ومن هنا، أطلقت تينسنت منصة SuperApp-as-a-Service، التي تسمح بتحويل التطبيقات التقليدية إلى منظومات ذكية تفاعلية تعتمد على بنية تحتية مرنة وقابلة للتطوير.
وتعمل الشركة على تطبيق هذا النموذج من خلال شراكات محلية، أبرزها التعاون مع مجموعة “إي آند” (e&) الإماراتية، حيث تم إطلاق مشروع “سوبر مول” ضمن تطبيق “Smiles”، ليكون منصة رقمية تجمع خدمات التجارة، التجزئة، والبقالة تحت سقف واحد.
بصمة كفك مفتاحك في المدن الذكية
في بيئة تتجه بسرعة نحو المدن الذكية، تُقدم تينسنت حلًا متقدمًا لمصادقة الهوية قائمًا على تقنية التحقق البيومتري من راحة اليد. تعتمد هذه التقنية على الذكاء الاصطناعي لقراءة بصمة الأوردة داخل الكف، ما يوفر مستوى أمنيًا عاليًا دون الحاجة إلى بطاقات أو كلمات مرور.
تشمل تطبيقات هذه التقنية:
- التحكم في دخول المباني الحكومية والمجمعات السكنية.
- تسجيل المرضى والوصول إلى السجلات الطبية.
- الدفع والتسوق في متاجر التجزئة الذكية.
- استخدام وسائل النقل العام بدون تلامس أو انتظار.
ويؤكد دان هو: “هذه التقنية سريعة ودقيقة، وتُعالج تحديات بصمة الإصبع والتعرف على الوجه، مما يجعلها مثالية للبيئات متعددة المستخدمين”.
من أبو ظبي إلى الذكاء الاصطناعي التفاعلي: البشر الرقميون حاضرون الآن
تُراهن تينسنت أيضًا على البشر الرقميين، وهم شخصيات افتراضية مدعومة بالذكاء الاصطناعي تُحاكي البشر في التفاعل والتعبير، ويمكن استخدامها في قطاعات مثل السياحة والتعليم وخدمة العملاء.
من أبرز التطبيقات: شخصية “خليفة”، السفير الرقمي للسياحة في أبو ظبي، والذي يقدّم معلومات وخدمات تفاعلية بعدة لغات عبر محادثات طبيعية تحاكي التفاعل الإنساني.
وتتميز هذه التقنية بسرعة تطويرها، إذ يمكن بناء شخصية رقمية واقعية خلال دقائق، مما يجعلها مثالية لاحتياجات المؤسسات التي تسعى لتحسين تجربة العملاء على نطاق واسع.
توأم رقمي وألعاب مصغّرة: استثمارات استراتيجية لبناء نظام بيئي محلي
في إطار تعزيز حضورها، وقعت تينسنت شراكات استراتيجية إقليمية، مثل تعاونها مع ZainTech الإماراتية لتقديم حلول التوأم الرقمي والتحقق من الهوية، ما يساهم في دعم التحول الرقمي داخل المؤسسات الحكومية والخاصة.
كما دخلت الشركة في شراكة مع PlaysOut لتطوير منصة ألعاب مصغّرة (Mini Games) تتيح للشركات الخليجية إنتاج محتوى ترفيهي محلي مرن وقابل للتوسع.
الخليج يعيد تعريف العلاقة مع التكنولوجيا
التحول الرقمي في الخليج لم يعد مجرد استيراد تقنيات جاهزة من الخارج، بل أصبح عملية مواءمة ذكية تجمع بين البنية التحتية الحديثة والسياق الثقافي والاجتماعي المحلي.
الاستثمارات الضخمة في الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والتطبيقات الفائقة، والتقنيات البيومترية، تكشف عن طموح خليجي لا يكتفي باستهلاك التكنولوجيا، بل يسعى للمشاركة في إعادة تشكيل مستقبلها.
ومع وجود إرادة سياسية قوية، وشراكات دولية استراتيجية، وخطط اقتصادية واضحة، تبدو دول الخليج اليوم مهيأة للانتقال من خانة المتلقي إلى فاعل محوري في الثورة الرقمية العالمية.