تمارا السعدي تُعيد أسطورة “أنتيغون” على مسرح أفينيون لتكشف مأساة أطفال الرعاية الاجتماعية في فرنسا

في عمل مسرحي جديد بعنوان “تير” (Taire)، تعيد الكاتبة والمخرجة الفرنسية العراقية تمارا السعدي تقديم أسطورة “أنتيغون” بأسلوب معاصر، مسلطة الضوء على واقع أكثر من 400 ألف طفل يخضعون لنظام الرعاية الاجتماعية في فرنسا. ويُعرض العمل بدءًا من يوم الإثنين على خشبة مسرح “لا فابريكا” ضمن فعاليات مهرجان أفينيون في نسخته الـ79، المقامة بجنوب فرنسا.
أنتيغون وإيدن.. حكايتان تتقاطعان
تروي السعدي عبر هذا العرض قصة مراهقتين تواجهان قسوة الحياة كلّ على طريقتها. الأولى هي أنتيغون، التي تتخذ من الصمت وسيلة احتجاج ضد السلطة القمعية، بينما الثانية هي إيدن، فتاة مراهقة انتقلت بين عدة عائلات ودور رعاية، وتُجسّد صراعًا داخليًا مع العنصرية والعمل القسري والحرمان العاطفي.
ومن خلال مزج سينوغرافي دقيق بين العالم الواقعي والخيال، يتنقل العرض بين مشاهد مأساوية تترافق مع موسيقى عربية حيّة ومؤثرات صوتية، يؤديها ثلاثة فنانين، ليمنح العرض عمقًا شعوريًا وانغماسًا بصريًا فريدًا.
توثيق فني لواقع مُهمل
تنطلق تمارا السعدي في أعمالها من خلفية مزدوجة تجمع بين الفن والعلوم الاجتماعية. وهي من مواليد بغداد خلال الحرب العراقية الإيرانية، وانتقلت في طفولتها إلى فرنسا، حيث درست التمثيل والعلوم الاجتماعية، وحصلت على درجة الماجستير تحت إشراف عالم الاجتماع برونو لاتور في معهد الدراسات السياسية بباريس.
تصف السعدي أعمالها المسرحية بأنها تنتمي إلى مسرح “الأحداث المؤكدة”، إذ تعتمد على البحث الميداني والشهادات الحية. وفي عملها “تير”، استندت إلى مقابلات مع أطفال في دور الرعاية، ومعالجين نفسيين، ومعلمين مختصين، ومسؤولي الرعاية الاجتماعية في مناطق فرنسية مثل سين سان دوني وغار، إضافة إلى ورش عمل مسرحية مع مراهقين في باريس وضواحيها.
وترى السعدي أن قصة “إيدن” تعكس بصدق واقع آلاف الأطفال، وتعتبر نفسها “محظوظة” لامتلاكها صوتًا يسلّط الضوء على الفئات المهمّشة.
مسرح أفينيون يفتح أبوابه للغة العربية
تأتي مشاركة “تير” في إطار دورة هذا العام من مهرجان أفينيون التي تحتفي باللغة العربية، ضيف شرف المهرجان بعد الإنجليزية (2023) والإسبانية (2024). ويشارك نحو 15 فنانًا عربيًا في هذه الدورة، من بينهم موسيقيون ومصممو رقص معاصر، في عروض تعبّر عن ثراء التراث العربي وتنوّع إبداعه الحديث.
وشهدت انطلاقة المهرجان، الذي تأسس عام 1947 على يد جان فيلار ويُعدّ من الأبرز عالميًا، بيانًا تضامنيًا مع الشعب الفلسطيني، وقّعه 26 فنانًا من المشاركين ومدير المهرجان تياغو رودريغيز، وأدانت فيه سياسات الاحتلال الإسرائيلي، داعين إلى “إنهاء المذبحة المستمرة التي تطال المدنيين في غزة، وعلى رأسهم الأطفال”.
وفي منشور على حسابه في إنستغرام، كتب رودريغيز: “ينطلق مهرجان أفينيون بينما تستمر المجزرة في غزة”، مضيفًا: “نأمل في عالم يُمكن فيه تنظيم مهرجان مماثل في غزة يومًا ما، بحرية وسلام”.
ويُعدّ مهرجان “أوف” Off المصاحب لأفينيون أكبر سوق للفنون الأدائية في فرنسا، ويُقام بالتوازي مع المهرجان الرسمي بمشاركة نحو 1700 عرض هذا العام.
رسالة أمل وسط المعاناة
من خلال “تير”، تواصل تمارا السعدي توظيف المسرح كمنصة إنسانية واجتماعية، تعكس فيها قضايا الهوية، والانتماء، والهامش، والعدالة. وفي حديثها عن العمل، تقول: “المسرح ليس ترفًا، بل ضرورة للتعبير والوعي… وهو أداة لإعطاء صوت لمن لا صوت لهم”.