تقدّم علمي يفتح آفاقاً جديدة نحو بناء كلى اصطناعية وظيفية للبشر

حقق فريق من العلماء إنجازاً طبياً كبيراً في مسار تطوير كلى اصطناعية قادرة على أداء وظائف الأعضاء الطبيعية لدى الفئران والبشر، في خطوة وُصفت بأنها الأهم حتى الآن في مجال الطب التجديدي. فقد تمكن الباحثون من دمج مكونات الترشيح وتركيز البول لتشكيل هياكل معملية متكاملة، تُعدّ الأكثر نضجاً وتعقيداً من بين جميع نماذج الكلى التي تم تطويرها داخل المختبرات.
الدراسة التي قادها فريق من جامعة جنوب كاليفورنيا ونُشرت في مجلة Cell Stem Cell في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، أوضحت تفاصيل بناء هذه الهياكل، المعروفة باسم العضيات الكلوية، والتي تمثل نقلة نوعية في قدرة العلماء على محاكاة وظائف الكلى البشرية بدقة غير مسبوقة.
وقال الدكتور تشونغوي لي، الأستاذ المشارك في الطب وبيولوجيا الخلايا الجذعية والطب التجديدي في كلية كيك للطب بجامعة جنوب كاليفورنيا:
“إن ما توصلنا إليه يمثل أداة ثورية لدراسة أمراض الكلى التي تصيب نحو واحد من كل سبعة بالغين حول العالم. هذه التقنية تتيح لنا فهماً أعمق للمرض، كما تمهد الطريق نحو إنشاء كلية اصطناعية كاملة”.
خطوة نحو كلية اصطناعية وظيفية
وأضاف لي أن هذا التقدّم يمثل إنجازاً محورياً نحو تحقيق الحلم الكبير ببناء كلية اصطناعية وظيفية قادرة على إنقاذ حياة أكثر من 100 ألف مريض في الولايات المتحدة ينتظرون عمليات الزرع، وهي حالياً العلاج الوحيد لأمراض الكلى في مراحلها النهائية.
وسبق للفريق البحثي تطوير عضيات تتكون من النيفرونات، وهي وحدات الترشيح الأساسية في الكلية، إضافة إلى عضيات تحاكي قنوات التجميع المسؤولة عن تركيز البول. وقد ركّز الباحثون هذه المرة على تحسين بيئة نمو الخلايا التجميعية للفئران والبشر داخل المختبر، ثم زرعوها في فئران حية، حيث أظهرت تطوراً مذهلاً في النمو والنضج، وتكوّنت أنسجة ضامة وأوعية دموية حقيقية.
وظائف بيولوجية مشابهة للكلى الطبيعية
وبحسب نتائج الدراسة، أظهرت الخلايا المزروعة لدى كل من الفئران والبشر قدرة فعلية على أداء وظائف الكلى الأساسية، مثل ترشيح الدم، وامتصاص البروتينات الحيوية كالألبومين، وإفراز هرمونات الكلى، إضافة إلى ظهور مؤشرات أولية على إنتاج البول.
آفاق مستقبلية واعدة
يرى الباحثون أن هذه النتائج تمثل نقطة تحول رئيسية في تطوير الأعضاء الاصطناعية، إذ بات بالإمكان إنشاء نماذج أكثر دقة لدراسة الأمراض الكلوية واختبار العلاجات المحتملة. كما أن الدمج الناجح بين مكونات الترشيح والتجميع يعزز من فرص الوصول إلى كلية اصطناعية كاملة الأداء في المستقبل القريب، ما قد يغيّر حياة ملايين المرضى الذين يعتمدون اليوم على غسيل الكلى أو ينتظرون متبرعين بالأعضاء.
بهذا الإنجاز، يفتح العلم صفحة جديدة في علاج الفشل الكلوي، ويقرّب البشرية من تحقيق حلم طال انتظاره: استبدال الأعضاء التالفة بأخرى مصنعة تعمل كما لو كانت طبيعية تماماً.







