تصعيد تجاري جديد بين واشنطن وبكين.. الصين تتبنى “أسلوب ترامب” في المواجهة الاقتصادية

تشهد العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة تصعيدًا غير مسبوق، بعدما ردّت بكين على العقوبات والرسوم الأميركية الأخيرة بسلسلة من الإجراءات الانتقامية، أبرزها فرض قيود جديدة على تصدير المعادن النادرة وتهديد شركات شحن كبرى بمزيد من العقوبات، في ما وصفته وكالة “بلومبيرغ” بأنه تبنٍّ صريح لـ”أسلوب ترامب” في التفاوض.
تصعيد متبادل وارتباك في الأسواق
تزامنت الخطوات الصينية مع بدء تطبيق واشنطن رسومًا جمركية جديدة على مجموعة من الواردات الصينية، تشمل الأخشاب والخزائن المنزلية. وأشارت “بلومبيرغ” إلى أن الأسواق العالمية فوجئت بإعلان الصين فرض قيود صارمة على صادرات المعادن النادرة، بحيث تمتد لتشمل حتى الشحنات التي تحتوي على مكونات صينية وإن كانت مرسلة من شركات أجنبية.
هذه الخطوة، بحسب التقرير، تعكس تحوّل الصين إلى استخدام الأدوات نفسها التي طالما انتقدتها في السياسة التجارية الأميركية، لا سيما تلك المتعلقة بتقييد صادرات التكنولوجيا والرقائق المتقدمة.
وقال تينغ لو، كبير الاقتصاديين الصينيين في بنك نومورا، إن بكين “تستعير تكتيكات ترامب التفاوضية المعروفة، مثل البدء بمطالب قصوى، واستغلال نقاط الضعف، واستخدام التهديدات الجدية بالانسحاب كأداة ضغط”.
مواجهة مفتوحة وتصريحات حادة
وفي المقابل، وصف وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت القيود الصينية بأنها “استهداف مباشر لسلاسل الإمداد الصناعية في العالم الحر”، مضيفًا أن واشنطن “لن تسمح لبكين بفرض قواعدها على النظام التجاري الدولي”.
ورغم حدة الخطاب، أكد بيسنت استمرار الاجتماعات التحضيرية بين الجانبين هذا الأسبوع في واشنطن، مشيرًا إلى لقاء مرتقب بين الرئيسين ترامب وشي جين بينغ في كوريا الجنوبية نهاية الشهر الجاري.
ويرى محللون أن المواجهة بين القوتين لم تعد “حرب رسوم جمركية” تقليدية، بل تحوّلت إلى سباق نفوذ تكنولوجي واقتصادي، حيث يسعى كل طرف لتعزيز سيطرته على سلاسل القيمة العالمية والمواد الحيوية.
الأسواق تتأرجح بين الخوف والأمل
تسببت تهديدات ترامب بفرض رسوم إضافية بنسبة 100% على الواردات الصينية في تراجع الأسواق العالمية يوم الجمعة، قبل أن تعود للانتعاش جزئيًا بعد أنباء عن مساعٍ للتهدئة. إلا أن إعلان الصين لاحقًا عن عقوبات جديدة تستهدف وحدات أميركية تابعة لشركات شحن كورية جنوبية أعاد المخاوف وأدى إلى موجة بيع جديدة في الأسواق.
الصين تراهن على “التناظر التجاري”
تؤكد “بلومبيرغ” أن بكين باتت تستخدم نهجًا قائمًا على المعاملة بالمثل في كل خطوة أميركية، ليس فقط عبر الرسوم، بل من خلال تعزيز أوراق ضغطها التفاوضية. وتعتمد استراتيجيتها على تنويع صادراتها وزيادة اعتماد العالم على مواردها الحيوية، خصوصًا المعادن النادرة.
وبحسب بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، تُنتج الصين نحو 70% من المعادن النادرة عالميًا، ما يمنحها ورقة ضغط قوية في أي مفاوضات اقتصادية أو تكنولوجية مع واشنطن.
سيناريوهات مفتوحة ومخاطر عالمية
وفي مذكرة تحليلية حديثة، اعتبر محللو بنك غولدمان ساكس أن التطورات الأخيرة توسّع نطاق الاحتمالات أمام الاقتصاد العالمي، متوقعين أن يتراجع الجانبان عن “الخطوات القصوى” مع مرور الوقت. وأشاروا إلى أن التشدد الصيني قد يفتح الباب لتسويات جزئية تشمل تخفيف الرسوم الأميركية مقابل تنازلات محدودة من بكين.
لكن التقرير حذّر في الوقت ذاته من أن غموض المشهد التفاوضي يهدد استقرار النظام التجاري الدولي، في ظل إعادة رسم الشركات العالمية لسلاسل الإمداد ضمن ما وصفته “بلومبيرغ” بـ”عصر التجزئة الاقتصادية الجديدة”.
ويرى المراقبون أن التنافس الأميركي الصيني بات أعمق من قضية الرسوم الجمركية، إذ أصبح صراعًا شاملاً على التكنولوجيا والنفوذ الاقتصادي العالمي، يستخدم فيه الطرفان الأدوات نفسها: الضغط، والعقوبات، والمناورة في الأسواق الحساسة، في معركة مفتوحة قد تعيد رسم خريطة التجارة العالمية لعقود قادمة.







