الأخبار الدولية

ترامب يعيد تسمية البنتاغون: من “وزارة الدفاع” إلى “وزارة الحرب” بين الرمزية والجدل

تُعد وزارة الدفاع الأميركية أكبر مكونات الحكومة الفدرالية، إذ تضم ما يقارب 3 ملايين شخص بين عسكريين وموظفين مدنيين، وتستنزف نحو 850 مليار دولار سنوياً، أي ما يزيد على نصف الإنفاق الحكومي. ووفقاً لتقديرات مشروع “أميركا 2025”، ارتفعت ميزانية البنتاغون في عهد الرئيس دونالد ترامب لتصل إلى 1.01 تريليون دولار في السنة المالية 2026.

قبل أكثر من ثمانية عقود، وتحديداً عام 1947، أقرّ المشرّعون الأميركيون قانوناً لإعادة هيكلة القوات المسلحة عقب الحرب العالمية الثانية، فاستبدلوا تسمية “وزارة الحرب” بتسمية أكثر هدوءاً هي “وزارة الدفاع”، في دلالة على توجه الولايات المتحدة آنذاك لحماية مصالحها وترسيخ النظام الدولي الجديد الذي قادته بعد الحرب.

غير أن ترامب، وبعد عودته إلى البيت الأبيض مطلع عام 2025، أعاد فتح الملف بمنظور مغاير، معتبراً أن كلمة “الدفاع” أضعفت صورة بلاده، وأن “الحرب” تمثل روح القوة والانتصار. فأطلق سلسلة قرارات رمزية ركزت على إعادة إحياء أسماء تاريخية، من تغيير اسم “خليج المكسيك” إلى “خليج أميركا”، إلى إعادة تسمية بعض القواعد العسكرية التي بدّلها الرئيس الأسبق جو بايدن، وصولاً إلى قراره الأخير في 5 سبتمبر/أيلول 2025 بإعادة تسمية وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب، في خطاب رسمي اتسم بنبرة هجومية.

إشارة رمزية وقيود تشريعية

سبق أن لمح ترامب، في حديثه بالمكتب البيضاوي يوم 25 أغسطس/آب 2025، إلى رغبته في العودة إلى الاسم الأصلي “وزارة الحرب” الذي اعتمد عام 1789، معتبراً أن الاسم الحالي لا يعكس القوة الكافية، ومفضلاً نغمة الحرب لارتباطها في ذهنه بانتصارات الولايات المتحدة في الحربين العالميتين. وقد خاطب وزير الدفاع بيت هيغسيث قائلاً: “إذا أردتم إعادته إلى ما كان عليه عندما اعتدنا الفوز دائماً، فلا بأس بذلك”.

وبمجرد صدور القرار التنفيذي، شرعت المؤسسة العسكرية في تنفيذه بسرعة لافتة، فجرى تغيير الحساب الرسمي للبنتاغون على منصة “إكس”، فيما استخدم الوزير هيغسيث لقب “وزير الحرب” في المراسلات الرسمية. وأكد الأخير أن الأمر ليس مجرد تعديل لفظي، بل يهدف إلى “تعزيز روح المحارب داخل البنتاغون”، بما ينسجم مع شعارات إدارة ترامب: “أميركا أولاً، السلام عبر القوة”.

ورغم ذلك، يبقى التغيير غير ملزم قانونياً، إذ إن تسمية الوزارة منصوص عليها في القانون ولا يمكن تعديلها إلا عبر الكونغرس. لذلك، تحرك بعض حلفاء ترامب في المجلس، مثل جيمس كومر وريك سكوت ومايك لي، لتقديم مشاريع قوانين تمنحه صلاحيات أوسع في إعادة هيكلة الوكالات الحكومية وأسمائها، في محاولة لإضفاء غطاء تشريعي على الخطوة.

دور الوزير هيغسيث

قرار ترامب يتسق مع رؤية وزيره هيغسيث، المعروف بخلفيته الإعلامية والشعبوية ومؤلفاته التي انتقد فيها ما وصفه بـ”هيمنة اليسار” على المؤسسة العسكرية. وقد دعا مراراً إلى استعادة “روح الجيش” عبر التخلص من القيادات التقليدية وتعيين جيل جديد يتبنى رؤية أكثر صرامة وعدوانية.

ويذهب هيغسيث إلى أبعد من ذلك، مؤكداً أن الانتصار في الحروب يتطلب التحرر من قيود القانون الدولي وقواعد الاشتباك، وإطلاق العنان للجنود ليكونوا “الأكثر قسوة وفتكاً”. ويستشهد في كتبه بجيل الحرب العالمية الثانية، معتبراً أن عظمتهم تجسدت في إدراكهم لحقيقة الحرب وقسوتها، وأن قنبلتين نوويتين أنهتا صراعاً كان سيكلف ملايين الأرواح الأميركية.

خلفية تاريخية

تعود جذور وزارة الحرب الأميركية إلى عام 1789، حين أنشأها الكونغرس وأقرها الرئيس جورج واشنطن للإشراف على الجيش الوليد. وخلال أكثر من قرن ونصف، أدارت الوزارة شؤون القوات البرية، فيما تولت وزارة البحرية الإشراف على الأسطول البحري والمارينز، بينما ظلت القوات الجوية تابعة للجيش.

غير أن دروس الحرب العالمية الثانية كشفت عن ثغرات كبرى في التنسيق بين الأفرع العسكرية، وأكد الرئيس هاري ترومان في رسالته إلى الكونغرس عام 1945 أن غياب القيادة الموحدة كلف الولايات المتحدة ثمناً باهظاً، بما في ذلك الفشل في صد هجوم بيرل هاربر. ومن هنا جاء “قانون الأمن القومي” عام 1947، الذي دمج وزارتي الحرب والبحرية وأنشأ وزارة الدفاع، قبل أن يُعدل اسمها عام 1949 لترسيخ صورة الردع والدفاع بدلاً من الحرب.

انتقادات داخلية وخارجية

قرار ترامب أثار عاصفة من الانتقادات الداخلية، حيث وصفه الديمقراطيون بأنه مجرد “مسرحية سياسية” تصرف الانتباه عن القضايا الدفاعية الجوهرية، بينما حذر مسؤولون سابقون في البنتاغون من التكاليف الباهظة المترتبة على إعادة تسمية وزارة تضم أكثر من 700 ألف منشأة في 40 دولة، مقدرين الكلفة بمليار دولار.

أما على الساحة الدولية، فقد عبر محللون وحلفاء عن قلقهم من الرسائل العدوانية التي تحملها التسمية الجديدة، معتبرين أنها تمنح الدعاية الروسية والصينية مادة خصبة لتصوير الولايات المتحدة كقوة مهددة للاستقرار العالمي.

بين الرمز والواقع

ورغم أن ترامب يروج لخطابه الانتخابي بصفته “مناهضاً للحروب”، فإن الأشهر الأولى من ولايته الثانية شهدت انخراطاً مباشراً في عمليات عسكرية واسعة، من اليمن إلى إيران، وصولاً إلى الكاريبي. وهو ما يفضح التناقض بين شعاراته حول “إنهاء الحروب” وواقع سياساته القائمة على التوسع العسكري والهجوم الاستباقي.

الخلاصة

الجدل حول إعادة تسمية وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب يعكس صراعاً أعمق في الولايات المتحدة حول معنى القوة ودورها في النظام العالمي. فبينما يرى أنصار ترامب أن الخطوة استعادة لروح الانتصارات ورسالة ردع قوية، يعتبرها خصومه نزعة عدوانية مكلفة تمنح الخصوم مادة دعائية مجانية. وفي كل الأحوال، يظل العالم يتابع تداعيات هذا النقاش الذي يتجاوز البعد الرمزي إلى إعادة رسم موقع الولايات المتحدة في النظام الدولي المعاصر.

زر الذهاب إلى الأعلى