تحية إلى أسد البحار أحمد بن ماجد

قبل أن أخاطبك بصفة أسد البحار، أجدني مأخوذًا بإعجابي العميق بصداقتك الأبدية مع بحر العرب، وبمغامراتك المهيبة في المحيط الهندي، حيث جعلت من رحلاتك وسيلة للتجارة، وجسرًا يصل بين الموانئ والخلجان، تحمل معها إشراقة حضورك ومصابيح خبرتك البحرية.
يا أمير البحار العربي، أقف اليوم على برٍّ ضيّق يثقلني بضغوط رياح عدوانية تهبّ من كل الجهات، فألجأ إليك، أيها الرحالة الماهر، لتأخذني على بساط الزمن إلى القرن الخامس عشر، حيث كنت رائدًا لا يُجارى، ومعلّمًا يستضيء بك كل بحّار.
كنتَ مثالًا للجرأة والإيمان، تقرأ الفاتحة والمعوذات قبل ركوبك البحر، فترى البحارة المترددين فيك شيخًا وقائدًا، يضرب المجاديف بقوة في قلب الأمواج العاتية، فيجدون فيك الطمأنينة والعزيمة.
إرث علمي خالد
وثّقت خبراتك البحرية في مؤلفات خالدة، أبرزها كتاب “الفوائد في أصول علم البحر والقواعد”، فكنت جنديًّا مسلحًا بالمعرفة، تحدد المسارات التجارية بأدق تفاصيلها، وتضيء للبحّارة طرقهم مهما اختلفت لغاتهم وجنسياتهم. كنت معلّمًا ومؤسسًا لمدرسة بحرية جمعت بين علم الملاحة، والفلك، والجغرافيا البحرية، فبقيت مرجعًا للأجيال حتى القرن الحادي والعشرين.
بين الحقيقة والافتراء
ورغم عظمة إنجازاتك، لم يسلم اسمك من محاولات التشويه. نسبوا إليك زورًا مرافقة البرتغالي فاسكو دي غاما، واتهموك بأنك جلبت المستعمرين إلى مياه العرب. لكن كتبك ومؤلفاتك نفت هذه التهم، إذ لم تشر يومًا إلى دي غاما، ولو كنت رافقته لذكرت ذلك توثيقًا. حتى المؤرخون المنصفون أنصفوك، وأكدوا أن ما رُوِّج لم يكن سوى غيرة وحسد من قامات لم تبلغ قامتك.
والحقيقة، يا ابن ماجد، أنه حتى لو صدّق البعض تلك الرواية، فإن التاريخ سيشهد بأن دي غاما كان مرافقًا لك، لا العكس.
مبدع ومعلّم
لم تكن ملاحًا فقط، بل مخترعًا ابتكرت البوصلة البحرية ودائرة الأفق، ورسام خرائط سهّلت على السفن عبور البحار بأمان. وكنت شاعرًا تصوغ قصائد عن البحر وحبك له، ومثقفًا درست الرياضيات والفلك والتاريخ والأدب لتغني علمك ولغتك وتمنح كتاباتك قوة وبهاء.
قامة لا تنحني
يا أسد البحار القادم من رأس الخيمة، وقفت شامخًا كالنخلة الخليجية، لا تنحني إلا لله في الصلاة. كنت أميرًا في البحر، معلّمًا للأجيال، رائدًا في التجارة والملاحة، وأسطورة تحوّلت رحلاتك إلى قصص يتناقلها الأجداد للأحفاد.
تركت لنا إرثًا غنيًا من العلوم والمعارف، وأرشدت السفن إلى المسارات الآمنة، فبقيت منارة بحرية يهتدي بها الملاحون عبر القرون.
وصية البحر
واليوم، وأنا أودّعك بتحية الوفاء، أتذكّر بحارنا التي تموج بالتحديات، من بحر فلسطين الممتد من الناقورة إلى رفح، إلى موانئ عكا وحيفا، التي صارت ميدانًا للصراع ومخازن للأسلحة.
سلام عليك يا ابن ماجد، وسلام على بحارنا التي نسعى لصونها، علّنا نكون أوفياء لسيرتك المشرّفة، مكمّلين لمسيرتك التي ستظل مصدر فخر واعتزاز لأمتنا.