بيدرو سانشيز.. الصوت الأوروبي الأجرأ في مواجهة إسرائيل

في الثامن من سبتمبر/أيلول الجاري، أدلى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بتصريح عبّر فيه عن استيائه واستياء بلاده من حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، مؤكداً أن مدريد لا تملك القنابل النووية ولا حاملات الطائرات ولا الاحتياطات النفطية الضخمة لوقف العدوان بمفردها، لكن ذلك لا يعني ـ على حد تعبيره ـ التوقف عن المحاولة، لأن هناك قضايا تستحق النضال من أجلها حتى لو لم يكن تحقيق النصر ممكناً منفرداً.
تصريح سانشيز أثار ردود فعل واسعة، خاصة في إسرائيل التي سارعت إلى تحريف كلامه واتهامه بالتهديد بإبادة الدولة العبرية. فقد هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سانشيز، معتبراً أن تصريحاته امتداد لمحاكم التفتيش وطرد اليهود من إسبانيا والمحرقة النازية، بينما اتهم وزير الخارجية جدعون ساعر مدريد بغياب الوعي التاريخي بما أسماه “جرائم إسبانيا ضد اليهود”.
غير أن هذه السجالات تعكس حجم الإزعاج الذي تسببه تصريحات سانشيز لدولة الاحتلال، إذ يُنظر إليه كأرفع مسؤول أوروبي يتبنى خطاباً واضحاً وحاداً ضد إسرائيل. فهو ليس ناشطاً سياسياً أو شخصية إعلامية، بل رئيس وزراء واحدة من أهم الدول الأوروبية التي سجلت أداءً اقتصادياً لافتاً في السنوات الأخيرة، لتصبح ـ وفق مجلة “إيكونوميست” ـ الأفضل اقتصادياً بين 37 دولة غنية عام 2024.
إن ما يجعل موقف سانشيز أكثر تأثيراً هو أنه يصدر عن زعيم سياسي ناجح داخلياً، ما يمنحه وزناً إضافياً على المستوى الأوروبي والدولي، ويجعله من الأصوات القليلة التي تعارض علناً النزعة اليمينية المتطرفة في أوروبا. لذلك لم يكن غريباً أن يثير خطابه غضباً كبيراً في إسرائيل التي ترى فيه تهديداً متنامياً لشرعية خطابها في الغرب.
كما أن موقف سانشيز من القضية الفلسطينية ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لإرث تاريخي إسباني في دعم الفلسطينيين، عززته قناعاته اليسارية ورؤيته الأخلاقية للسياسة الخارجية. وبالتوازي مع خطاباته، اتخذت حكومته إجراءات عملية، أبرزها الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية عام 2024، والمطالبة بتعليق اتفاقية الشراكة الأوروبية مع إسرائيل، والانضمام إلى الدعوى ضدها أمام محكمة العدل الدولية، فضلاً عن فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية عليها.
في المحصلة، يمثل بيدرو سانشيز اليوم أحد أبرز الأصوات الغربية المناهضة للحرب الإسرائيلية، حيث جمع بين الموقف المبدئي والسياسات العملية، رغم إدراكه لمحدودية تأثير إسبانيا كقوة متوسطة. وكما قال بنفسه: هناك قضايا تستحق النضال من أجلها، حتى وإن بدا الانتصار بعيد المنال.