الأخبار الدولية

النووي والهاكرز والعملات المشفرة.. حرب خفية تشتعل بين إيران وإسرائيل في فضاء لا تراه العيون

رغم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن “وقف مؤقت” لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران، لا تزال المواجهة النووية بين الطرفين تحتدم على جبهات غير تقليدية، حيث تتوارى الأسلحة خلف شاشات الحواسيب، وتُدار معارك شرسة داخل الفضاء السيبراني بعيدًا عن الأضواء.

في عالم الإنترنت المظلم، الذي تتلاشى فيه الحدود وتتغير قواعد الاشتباك، ظهرت معلومات يُشتبه في ارتباطها بالبرنامج النووي الإيراني، معروضة للبيع مقابل عملات مشفّرة. وقد كشفت تقارير استخباراتية أن هذه المعلومات تُتداول عبر منصات مثل تليغرام، في ظل عجز الأنظمة التقليدية عن ضبط مساراتها أو تتبع مصادرها.

تسريبات في الظل

في أكتوبر/تشرين الأول 2024، فجّرت قناة “ميدل إيست سبيكتور” الموالية لإيران، مفاجأة بنشرها وثيقتين استخباريتين تُفصّل خطط إسرائيلية لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية. وتبيّن لاحقًا –بحسب تحقيق أجرته صحيفة واشنطن بوست– أن محللًا سابقًا في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) هو من سرّب الوثائق من موقعه في كمبوديا، قبل أن تصل إلى منصات التواصل.

وقد أظهرت هذه الحادثة –وما تلاها من تسريبات– واقعًا جديدًا تعيشه الحروب الرقمية، حيث لم تعد البيانات النووية محصورة بيد الحكومات، بل باتت سلعة تُتداول بين فاعلين غير رسميين، وسط خصخصة متزايدة لمعلومات كانت حتى وقت قريب من أسرار الدولة العليا.

الفضاء المظلم.. مسرح الحرب الجديد

يرى الدكتور محمد عطير، عميد كلية تكنولوجيا المعلومات، أن تسريب البيانات النووية على الإنترنت المظلم يمثّل تهديدًا متعدد الأوجه، إذ يمكن أن تقع هذه المعلومات في أيدي أطراف خطرة، أو تُستخدم لابتزاز دول، أو حتى لتوجيه ضربات إلكترونية ضد منشآت حيوية.

وتكشف بيانات شركة “بوستيف تكنولوجي” للأمن السيبراني أن الفترة بين 2023 و2024 شهدت تصاعدًا ملحوظًا في تسريب البيانات المرتبطة بالأمن القومي الإيراني، عبر هجمات نفذتها مجموعات هاكتيفيست مثل “Arvin Club” و”WeRedEvils”. واستهدفت هذه الهجمات البنوك، ووزارات، ومنشآت صناعية، والبنية التحتية للطاقة، وتم عرض ما يقارب نصف البيانات المسروقة للبيع العلني.

من نطنز إلى نوبيتيكس.. موجات متلاحقة من الهجمات

من أبرز الأمثلة على هذه المواجهة، عملية “ستاكسنت” الشهيرة، التي كشفت تقارير استخباراتية أنها كانت نتاج تعاون سري بين وكالة الأمن القومي الأميركية (NSA) ووحدة الاستخبارات الإسرائيلية “8200”، حيث استُخدم فيروس مدمر لضرب منشأة نطنز النووية.

وفي يونيو/حزيران 2025، تعرّض بنك “سبه” الإيراني لهجوم سيبراني كبير شنته مجموعة “Predatory Sparrow” المرتبطة بإسرائيل، تلاه هجوم استهدف منصة “نوبيتيكس” للعملات الرقمية وسرقة ما يعادل 90 مليون دولار. لم تتوقف الحملة هناك، بل شملت تعطيل مئات محطات الوقود في إيران، في رسالة واضحة مفادها: الحرب السيبرانية باتت جزءًا من الردع المتبادل.

ويؤكد الخبير عبيدة أبو قويدر أن العملات المشفرة أصبحت أداة محورية في هذه المعارك، نظرًا لصعوبة تتبعها، ما يجعل منصات الدفع هدفًا مباشرًا لتقويض قدرة الخصوم على تمويل هجماتهم أو حماية بنيتهم الاقتصادية.

فاعلون بلا وجوه.. من يخوض الحرب فعلًا؟

لا تقتصر هذه الحرب على الدول. مجموعات قرصنة مستقلة باتت اليوم تمتلك أدوات اختراق تضاهي ما كان بيد الحكومات سابقًا. من بين أبرز هذه المجموعات، “بلاك ريوورد”، التي تبنّت في أكتوبر/تشرين الأول 2022 عملية اختراق لشركة مرتبطة بمحطة بوشهر النووية، ونشرت وثائق بالغة الحساسية.

ويقول أبو قويدر إن هذا الواقع الجديد يعزز من ظاهرة “خصخصة الهجمات السيبرانية”، ما يصعب مهمة الردع التقليدي، ويجعل من شبه المستحيل تحديد الجهات المسؤولة أو وقف تسرب البيانات بعد طرحها للبيع في السوق السوداء الرقمية.

صراع دولي متعدد المستويات

في خضم هذا المشهد المعقد، تدخل قوى كبرى مثل روسيا والصين على الخط، مستغلة التسريبات كأوراق ضغط استراتيجية. فبحسب تقارير رسمية إيرانية، حصلت طهران على وثائق إسرائيلية حساسة تتعلق ببرامج ومواقع نووية، ويُعتقد أن هذه البيانات نُقلت إلى الداخل الإيراني بسرية تامة.

وتؤكد هيذر ويليامز، مديرة مشروع التسلح النووي في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS)، أن الدعم الروسي-الصيني لإيران يتعدى الجانب السياسي، ويشمل نقل تقنيات ومساعدة فنية مباشرة، في ظل تحالفات تعيد رسم موازين النظام النووي العالمي.

عندما تصبح الحقيقة رقمًا

في زمن تتحول فيه الحروب إلى بيانات، ويُدار النزاع بأسطر برمجية، تصبح الحقيقة أكثر هشاشة، والخطر أكثر خفاءً. إن الصراع النووي بين إيران وإسرائيل لم يعد محصورًا في مؤتمرات أو صواريخ، بل أصبح معركة مفتوحة داخل شبكة لا تنام، يتحرك فيها اللاعبون الرسميون والظلال على حد سواء.

زر الذهاب إلى الأعلى