الملف النووي الإيراني يدخل مرحلة حرجة مع تفعيل “آلية الزناد”

دخل الملف النووي الإيراني مرحلة حرجة، بعد إعلان فرنسا وألمانيا وبريطانيا أمام مجلس الأمن الدولي عن نيتهم تفعيل آلية العودة التلقائية للعقوبات، المعروفة بـ”آلية الزناد”، خلال 30 يومًا ما لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد مع طهران.
وتأتي هذه الخطوة بعد عقد من تجميد العقوبات الأممية عقب توقيع الاتفاق النووي عام 2015، لتعيد بسرعة القلق إلى الأسواق الإيرانية، حيث ارتفع سعر الدولار إلى أكثر من مليون ريال إيراني، وارتفعت أسعار الذهب بشكل حاد، في مؤشر على هشاشة الأسواق الداخلية واستجابة المواطنين لأي تهديد بعودة الضغوط الدولية.
عودة إلى أجواء ما قبل الاتفاق النووي
ويؤكد أستاذ الاقتصاد آيزاك سعيديان أن تفعيل الآلية يعيد إيران عمليًا إلى مرحلة ما قبل الاتفاق النووي، حين كانت خاضعة لسلسلة من العقوبات الأممية بين 2006 و2010.
ويشرح سعيديان للجزيرة نت: “ستعود ستة قرارات صادرة عن مجلس الأمن، أبرزها العقوبات المصرفية والمالية، وقيود الشحن البحري، وحظر الاستثمار في قطاعي النفط والغاز”، مضيفًا أن هذه الإجراءات كانت من أثقل ما واجهته إيران قبل توقيع الاتفاق.
ويشير إلى أن الأخطر قد يكون احتمال وضع إيران تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ما يشكل تهديدًا إستراتيجيًا كبيرًا. لكنه يرى أن الأزمة الإيرانية ليست محصورة في العقوبات فقط، فإيران تواجه منذ أشهر أزمة حادة في الكهرباء والمياه أثرت على الإنتاج الصناعي والزراعي، إذ تعمل المدن الصناعية لساعات محدودة، فيما تواجه المزارع وقطاع الدواجن والصناعات الثقيلة صعوبات بالغة.
ويضيف سعيديان أن هذا الوضع دفع المستثمرين إلى إخراج أموالهم من البلاد، مما ساهم في انهيار الريال الإيراني، ويشير إلى أن تفعيل الآلية سيؤدي إلى انكماش إضافي في الاقتصاد، مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي وتراجع قيمة العملة الوطنية.
النفط والإيرادات في قلب الأزمة
ويشير أستاذ الاقتصاد بيمان مولوي إلى أن تجربة العقوبات الأممية السابقة، وخصوصًا القرار 1929 عام 2010، كانت مدمرة للاقتصاد الإيراني، إذ حظرت الاستثمارات الأجنبية في النفط والغاز وفرضت قيودًا مصرفية وتأمينية واسعة.
ويضيف: “تراجعت صادرات النفط من 2.5 مليون برميل يوميًا عام 2011 إلى نحو 1.1 مليون برميل في 2013، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 1.5% سنويًا، بينما ارتفع التضخم إلى 35%”.
ويحذر مولوي من أن تفعيل الآلية قد يقلص الصادرات النفطية إلى أقل من 500 ألف برميل يوميًا، ما يعني فقدان نحو 70% من العوائد بالعملات الصعبة، وزيادة العجز في الموازنة، وهو ما سيدفع الحكومة إلى طباعة المزيد من النقود، ما سيؤدي إلى تدهور قيمة الريال وارتفاع التضخم.
ويتوقع أن تشهد البورصة الإيرانية تراجعًا قد يصل إلى 30% خلال الأشهر الأولى بعد تفعيل الآلية، وأن يلجأ المستثمرون إلى الذهب والعملات الرقمية كملاذ آمن، بينما سيؤثر القيود المصرفية على قدرة طهران على استيراد السلع الأساسية.
تداعيات اقتصادية واجتماعية صعبة
ويتفق سعيديان ومولوي على أن التأثير لن يقتصر على الاقتصاد فقط، بل سيطال الجانب الاجتماعي، مع توقع ارتفاع معدلات البطالة والفقر وانخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي من 4500 دولار حاليًا إلى نحو 3000 دولار سنويًا.
ويضيف مولوي أن إيران قد تلجأ إلى الاقتصاد الموازي عبر السوق السوداء أو العملات الرقمية، إلا أن هذه المسارات محفوفة بمخاطر الفساد، كما أن القيود العسكرية والتكنولوجية ستقيد التعاون مع شركاء مثل الصين وروسيا وتحد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ويخلص سعيديان إلى أن تفعيل الآلية سيعيد الاقتصاد الإيراني إلى وضع أسوأ مما كان عليه قبل الاتفاق النووي، مؤكدًا أن الأزمة الحالية تتزامن مع أزمة طاقة داخلية وعجز مالي متفاقم. ويختم مولوي بالتحذير: “المرحلة المقبلة قد تكرر سيناريو 2012-2015، لكن في ظروف داخلية أشد هشاشة، وتداعياتها ستنعكس مباشرة على حياة المواطنين اليومية”.