العراق يواجه أخطر موجة جفاف منذ قرن.. نفوق واسع للمواشي ونزوح يهدد الريف الجنوبي

يعيش العراق على وقع أزمة بيئية واقتصادية غير مسبوقة، إذ تضرب البلاد موجة جفاف هي الأشد منذ عام 1933، ما أدى إلى تراجع كبير في مناسيب نهري دجلة والفرات، وتفاقم معدلات نفوق المواشي، خصوصاً في محافظات الوسط والجنوب
وأكدت وزارة الموارد المائية العراقية أن تغذية نهري دجلة والفرات انخفضت إلى 27% مقارنة بالعام الماضي، فيما تشير التقديرات إلى أن أكثر من 30% من الثروة الحيوانية قد نفقت بالفعل، وهو ما يهدد بانهيار مصدر رزق رئيسي لآلاف العائلات.
الأهوار على شفا الانهيار
وحذّر الخبير البيئي جاسم الأسدي من تداعيات كارثية على الأهوار العراقية، موضحاً أن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى نفوق ما يصل إلى 45% من رؤوس الماشية – وخاصة الجاموس – خلال الصيف المقبل. وأشار إلى أن الأهوار شهدت موجات جفاف متكررة منذ التسعينيات، لكن الجفاف الممتد منذ 2021 يُعد “الأقسى”، إذ جفّت مساحات واسعة ولم يتبق سوى مجارٍ مائية عميقة.
كما تفاقمت الأزمة بسبب ارتفاع الملوحة والتلوث بمياه الصرف الصحي، ما انعكس على صحة الجاموس وإنتاجيته، حيث انخفض إنتاج الحليب للجاموسة الواحدة إلى نحو لترين فقط يومياً. ولفت الأسدي إلى أن نسبة نفوق الجاموس في الأهوار تراوحت بين 32% و35% في السنوات الماضية، محذراً من ارتفاعها إلى 45%، فضلاً عن فقدان أكثر من 95% من المخزون السمكي.
انهيار الثروة الحيوانية في الجنوب
من جانبه، أوضح أحمد سوادي حسون العيساوي، عضو الاتحاد المحلي للجمعيات الفلاحية، أن محافظات البصرة والناصرية والعمارة والديوانية والنجف هي الأكثر تضرراً، بسبب اعتمادها الكبير على بيئة الأهوار. وأكد أن ارتفاع درجات الحرارة المرتبط بالتغير المناخي جعل الجاموس أكثر عرضة للهلاك، محذراً من احتمال وصول نسب النفوق إلى ما بين 50% و70% إذا لم تُتخذ حلول عاجلة.
وأشار العيساوي إلى أن مربي المواشي اضطروا لاستخدام مياه الشبكة لسقي حيواناتهم بعد انقطاع المياه لأشهر، في حين يبست الأعلاف تماماً، ما أجبر الكثيرين على ذبح مواشيهم أو بيعها أو تركها للموت. وأدى هذا الوضع إلى انتشار الأوبئة نتيجة تحوّل ما تبقى من المياه إلى برك ملوثة.
نزوح داخلي وخسائر اقتصادية
أما رئيس مرصد العراق الأخضر، عمر عبد اللطيف، فكشف عن نزوح داخلي واسع نتيجة الجفاف، إذ تجاوز عدد المتضررين 15 ألف شخص. وأوضح أن محافظة ذي قار وحدها شهدت نزوح أكثر من 10 آلاف عائلة منذ 2023، بسبب فقدان مصادر العيش وتراجع الأمن الغذائي.
وأشار عبد اللطيف إلى أن ذي قار فقدت منذ العام الماضي نحو 11 ألف رأس جاموس، حيث تراجع عددها من 21 ألفاً إلى 10 آلاف فقط، مؤكداً أن مربي الجاموس يواجهون قيوداً تحول دون انتقالهم إلى مناطق أكثر وفرة بالمياه، ما يجبرهم على البقاء في بيئات جافة دون بدائل.
أزمة وجودية
تُظهر البيانات الرسمية أن الإيرادات المائية للعراق تراجعت من 70 مليار متر مكعب إلى 40 ملياراً فقط، وسط توقعات بانخفاض نصيب الفرد من المياه إلى 479 متراً مكعباً سنوياً بحلول 2030، مقارنة بالمعيار العالمي البالغ 1700 متر مكعب.
وبينما يحمّل خبراء جزءاً من المسؤولية للسياسات الرسمية التي لم تولِ مربي الجاموس والأهوار الاهتمام الكافي، يرون أن ما يجري اليوم يتجاوز حدود أزمة موسمية، ليشكّل تهديداً وجودياً يطال الاقتصاد الريفي والأمن الغذائي والبيئة العراقية على حد سواء.