اقتصاد

الصراع الاقتصادي الأميركي – الصيني: سباق طويل نحو الصدارة العالمية

يشهد المشهد الاقتصادي العالمي حالة من الترقب حيال مآلات الصراع القائم بين الولايات المتحدة والصين، حيث تمثل الأخيرة ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي. ويرى كثيرون أن تفوق الصين على أميركا مسألة وقت، خاصة في ظل الأزمات الداخلية التي تواجه أكبر اقتصاد عالمي حاليًا.

وتعزز قيادة الصين لتجمع “بريكس” ودور هذا التكتل المتنامي في السنوات الأخيرة التوقعات بظهور قوة اقتصادية قادرة على منافسة الولايات المتحدة، في وقت يذهب فيه البعض إلى أن النظام الاقتصادي العالمي الأحادي القطبية يتجه نحو الزوال لصالح نظام متعدد الأقطاب.

الصراع بين القوتين العظميين لم يعد خافيًا، إذ ظهر جليًا في ملفين أساسيين: التبادل التجاري والتفوق التكنولوجي.

الناتج المحلي الإجمالي: الفجوة تتسع

تكشف بيانات البنك الدولي عن تراجع طموحات الصين في اللحاق بالناتج المحلي الأميركي خلال السنوات الأخيرة:

  • تقلصت الفجوة بين الناتجين عام 2021 إلى 5.4 تريليونات دولار.
  • لكنها اتسعت لاحقًا إلى 7.6 تريليونات دولار عام 2022، ثم إلى 9.4 تريليونات عام 2023، لتصل إلى 10.4 تريليونات دولار عام 2024.
  • ارتفع الناتج المحلي الأميركي من 23.6 تريليون دولار عام 2021 إلى 29.1 تريليون دولار عام 2024، بينما بقي الناتج الصيني بين 18.2 و18.7 تريليون دولار فقط.

تعثر الصين يعزى إلى تداعيات أزمة كورونا، وأزمة الديون الداخلية، وضعف قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة، في حين واجهت الولايات المتحدة تحديات التضخم وارتفاع البطالة وتفاقم الدين العام.

إلى جانب ذلك، أثرت الأزمات العالمية مثل الحرب في أوكرانيا، وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، على الاقتصادين، كما ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي ككل.

التفوق التكنولوجي: واشنطن تحافظ على الصدارة

التكنولوجيا أحد أهم محاور الصراع الأميركي – الصيني، وهي تتجلى في الصناعات الدفاعية، والدوائية، والاتصالات، ووسائل النقل. ويعد الإنفاق على البحث والتطوير مؤشرًا حاسمًا في قياس هذا السباق:

  • تتفوق الولايات المتحدة بشكل واضح على الصين في حجم الإنفاق على البحث والتطوير، سواء كنسبة من الناتج المحلي أو بالقيمة المطلقة.
  • بين عامي 2018 و2022، أنفقت أميركا ضعف ما أنفقته الصين على هذا القطاع.
  • بلغت نسبة الإنفاق إلى الناتج المحلي في أميركا 2.99% عام 2018 وارتفعت إلى 3.59% عام 2022، مقابل 2.14% و2.5% في الصين للفترة نفسها.

هذا التفوق انعكس في ملفات حساسة مثل أزمة شركة “هواوي” والقيود المفروضة على تصدير التكنولوجيا المتقدمة، إضافة إلى تهديدات واشنطن بمنع الطلاب الصينيين من الدراسة في الجامعات الأميركية.

تحاول الصين سد هذه الفجوة عبر سياسات استقطاب للكفاءات العلمية وتحفيز الابتكار المحلي، لكنها بدأت متأخرة مقارنة بانفتاح الولايات المتحدة الذي مكّنها من جذب العقول المتميزة لعقود طويلة.

نصيب الفرد من الدخل القومي: الفارق لا يزال شاسعًا

رغم الفوارق الكبيرة في عدد السكان (1.4 مليار نسمة في الصين مقابل 340 مليونًا في أميركا)، فإن الدخل القومي الأميركي ما زال يتفوق بشكل كبير. ويصل متوسط دخل الفرد الأميركي إلى نحو ستة أضعاف نظيره الصيني، مع العلم أن الصين لم تتجاوز المتوسط العالمي لهذا المؤشر إلا في عام 2022.

هذا الفارق يعكس الفجوة الكبيرة في مستوى المعيشة والإنتاجية بين البلدين، رغم اعتماد كل منهما على الإنتاج والتكنولوجيا كركيزة أساسية للدخل القومي.

مستقبل الصراع الاقتصادي العالمي

يؤكد الخبراء أن الولايات المتحدة لن تقبل بسهولة بتفوق الصين اقتصاديًا أو بروزها كقوة سياسية وعسكرية منافسة. وسيظل هدف واشنطن الحفاظ على تقدمها وعرقلة التمدد الصيني، بينما ستواصل بكين مساعيها لتقليص الفجوة في مختلف المجالات.

ومع استمرار التنافس على النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي، يظل النظام العالمي أمام مرحلة إعادة تشكيل محتملة قد تفرز نظامًا متعدد الأقطاب، حيث لا تحتكر قوة واحدة قيادة المشهد الاقتصادي والسياسي العالمي.

زر الذهاب إلى الأعلى