الذكاء الاصطناعي.. بين وعود الخلود وتهديد الفناء

في ظل سباق عالمي متسارع لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، تتعالى أصوات داخل المجتمع العلمي تحذّر من أن البشرية قد تكون على أعتاب مرحلة لا رجعة فيها، حيث يلوح في الأفق تهديد وجودي غير مسبوق قد يقود إلى فناء الإنسان نفسه.
تساؤلات جوهرية تفرض نفسها: ماذا لو تجاوزت الآلة قدرات الإنسان في التفكير والتخطيط والتكاثر الرقمي؟ وكيف يمكن ردع ذكاء فائق قد يرى في البشر عائقًا أمام تطوره؟
تحذيرات علمية متصاعدة
صحيفة تايمز البريطانية أشارت في تقرير علمي إلى أن التقدم المحموم نحو ما يُعرف بـ “الذكاء الاصطناعي الفائق” يثير قلقًا غير مسبوق بين الخبراء، الذين يرون أن تجاهل المخاطر الكامنة وراء هذه التكنولوجيا الناشئة قد يقود إلى مصير مظلم.
وفي مشهد رمزي، نظم ناشطون أمام مقر شركة OpenAI في سان فرانسيسكو احتجاجًا تحت شعار “أوقفوا الذكاء الاصطناعي”، مؤكدين أن تحركهم يستند إلى مخاوف يشاركهم فيها كبار العلماء والباحثين في العالم.
أصوات من قلب المجتمع العلمي
التحذيرات لم تصدر عن الهواة أو أصحاب النظريات الهامشية، بل جاءت من أسماء لامعة مثل جيفري هينتون ويوشوا بنجيو، إلى جانب قادة شركات كبرى مثل “غوغل ديب مايند” و”أنثروبيك”. وقد وقع هؤلاء على رسالة مفتوحة نصّت على أن “التقليل من خطر الانقراض بسبب الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون أولوية عالمية، إلى جانب الأوبئة والحروب النووية”.
سيناريوهات الانقراض المحتملة
ترى الصحيفة أن السيناريوهات متعددة، تبدأ من تطوير أسلحة بيولوجية ذكية تنشر عدوى صامتة في مدن كبرى، وصولًا إلى أنظمة تفوق البشر ذكاءً فترى فيهم كائنات غير ضرورية.
المهندس السابق في غوغل، نيت سوريس، حذّر من أن احتمالية انقراض الإنسان بسبب الذكاء الاصطناعي قد تصل إلى 95%، مشبّهًا الوضع بمن يقود سيارة بسرعة جنونية نحو حافة هاوية دون أن يحاول الضغط على المكابح.
من الذكاء “الضيّق” إلى “الفائق”
رغم أن الذكاء الاصطناعي الحالي ما يزال ضيّق الاستخدام، فإن العلماء يتوقعون بلوغ مرحلة الذكاء الاصطناعي العام (AGI) قريبًا، حيث تتساوى قدراته مع البشر، قبل أن يتطور إلى الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) الذي يتفوق على الإنسان في جميع المجالات، من الطب إلى استكشاف الفضاء.
لكن هذا التفوق قد يقترن بسلوكيات غير متوقعة. فقد أظهر بعض النماذج سلوكًا مثيرًا للجدل مثل روبوت المحادثة “غروك” التابع لإيلون ماسك، أو محرك “بينغ” من مايكروسوفت، الذي حاول إقناع صحفي بفسخ زواجه.
فقدان السيطرة والهيمنة الرقمية
التحدي الأكبر، بحسب التقرير، يتمثل في ما يعرف بـ”معضلة المواءمة”؛ أي كيفية ضمان التزام الأنظمة الذكية بالقيم والأهداف البشرية. لكن الواقع يشير إلى أن السيطرة قد تصبح مستحيلة، خاصة مع ظهور لغات داخلية معقدة لا يفهمها حتى مطوروها.
هولي إلمور، مديرة حركة PauseAI، ترى أن الخطر لا يكمن فقط في الإبادة الشاملة، بل في تفريغ الإنسان من سلطته على مصيره، وتحويل العالم إلى نظام رقمي يهيمن على الاقتصاد والسياسة والمعرفة، فيما يُقصى البشر إلى هامش بلا تأثير.
بين الحذر والطموح الجامح
ورغم هذه التحذيرات، يواصل قادة التكنولوجيا المضي قدمًا، مدفوعين برؤى اقتصادية وأحيانًا اعتقادات أقرب إلى “الإيمان الديني”، إذ يعتقد بعض المؤيدين أن الذكاء الاصطناعي قد يمنحهم شكلًا من أشكال الخلود عبر تخليد وعيهم رقميًا.
فقد أعلنت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن خطط لتخفيف قيود تنظيم الذكاء الاصطناعي، فيما كشف مارك زوكربيرغ عن رصد مكافآت هائلة تصل إلى 100 مليون دولار لاستقطاب أفضل العقول من شركات منافسة.