التعدين غير القانوني للذهب في غانا.. أزمة بيئية واقتصادية تهدد سلطة الحكومة

تحولت ظاهرة التعدين غير القانوني للذهب إلى أكثر القضايا البيئية والسياسية اشتعالاً في غانا، إذ باتت تعكر صفو الأنهار، وتدمّر مزارع الكاكاو، وتشكل اختباراً حقيقياً لسلطة حكومة الرئيس جون ماهاما.
فما بدأ كمصدر رزق بسيط في المناطق الريفية سرعان ما تطوّر إلى اقتصاد ظل واسع النطاق يمتد عبر معظم مناطق البلاد، ليتحوّل إلى أزمة متعددة الأبعاد تمسّ البيئة والسياسة والاقتصاد معاً.
اشتعال سياسي وتحديات قانونية
أصبحت قضية التعدين غير القانوني نقطة اشتعال سياسي في غانا، إذ تتهم أحزاب المعارضة الحكومات المتعاقبة بالتغاضي عن ممولين مرتبطين بالتحالفات الحاكمة، بينما يندد النشطاء والزعماء المحليون بتدمير الأراضي الزراعية وتلوث مصادر المياه.
وتشير التقديرات إلى أن هذا النشاط غير القانوني يؤثر على ملايين سبل العيش في 14 من أصل 16 منطقة غانية. كما تحرم عمليات التعدين غير المنظّمة الدولة من نحو ملياري دولار سنوياً من الضرائب والرسوم، وفق تقارير استقصائية.
وتتضمن الشبكة المعقدة للتعدين غير القانوني ممولين محليين، وتجار معدات، وملاك أراضٍ، وجهات سياسية نافذة، فضلاً عن أطراف أجنبية أبرزها ما كشفته قضية الصينية آيشا هوانغ التي وُصفت في الإعلام الغاني بـ”ملكة غلامسي” وحُكم عليها بالسجن أربع سنوات ونصف عام 2023.
الأسباب الكامنة وراء انتشار الظاهرة
تعزى جذور الظاهرة إلى ثلاثة عوامل رئيسية:
- ارتفاع أسعار الذهب العالمية، الذي جعل التنقيب السطحي مغرياً وجذب آلاف العمال من قطاعات الزراعة والخدمات إلى مواقع التعدين.
- تراجع قطاع الكاكاو، ما دفع المزارعين إلى بيع أو تأجير أراضيهم للمنقبين، إذ تشير هيئة الكاكاو الغانية إلى أن حوالي 2% من المساحات المزروعة بالكاكاو فُقدت لصالح التعدين.
- ضعف فرص العمل وصعوبة الحصول على تراخيص رسمية، ما جعل التعدين غير الرسمي خياراً سريع الدخل رغم مخاطره.
وتسلط التقارير الضوء أيضاً على انتشار عمالة الأطفال وتسربهم من المدارس في مناطق التعدين سعياً وراء دخل فوري للأسر.
القوانين المنظمة والعقوبات
ينظّم القطاع قانون المعادن والتعدين لعام 2006 (القانون 703)، الذي يسمح فقط بالتعدين الصغير المرخص للمواطنين الغانيين فوق 18 عاماً، وفي مناطق محددة.
وقد تم تشديد العقوبات بموجب تعديلات عامي 2015 و2019 (القانون 900 والقانون 995)، خصوصاً بحق من يشغلون أو يمولون التعدين دون ترخيص، أو يوظفون أجانب في هذا المجال.
يحظر القانون أيضاً التعدين في الأنهار والمحميات الطبيعية، إلا أن ضعف التنفيذ وتراكم القضايا يقللان من فعاليته، فيما تؤكد الحكومة أنها تعمل على تعزيز الرقابة ومصادرة المعدات والعائدات غير القانونية.
أسباب فشل الحكومات السابقة في المكافحة
رغم الحملات الأمنية السابقة، فإن الظاهرة ما زالت مستمرة. ويُعزى ذلك إلى:
- ارتفاع أسعار الذهب وسهولة تهريبه عبر الحدود.
- اعتماد المجتمعات المحلية على دخل التعدين، ما يجعل محاربته مكلفاً سياسياً.
- تواطؤ بعض النخب المحلية والأمنيين، وضعف القدرات الرقابية.
وقد أشارت هيئة المياه الغانية إلى أن 65% من مصادر المياه ملوثة بالمعادن الثقيلة، بينما تتصاعد تكاليف المعالجة بشكل يهدد إمدادات مياه الشرب.
رؤية حكومة ماهاما الجديدة
صنّف الرئيس جون ماهاما التعدين غير القانوني كأزمة تمسّ الأمن المعيشي والبيئي، معلناً عن تشكيل قوة خاصة لمكافحة تهريب الذهب وتشديد الرقابة على المشترين وقنوات التصدير.
وتسعى حكومته إلى تنظيم القطاع عبر دمج المنقبين الحرفيين في الاقتصاد الرسمي، من خلال رقمنة التراخيص وتوسيع المناطق المخصصة للتعدين الصغير، إلى جانب مشاريع لإعادة تأهيل الأراضي المتضررة ضمن مشروع استعادة المناظر الطبيعية والتعدين الصغير في غانا.
كما تعمل الهيئة البيئية ووزارة الأراضي على تنفيذ خطط ترميم ومراقبة صارمة، في حين يطالب المجتمع المدني بنشر تقارير دورية عن الاعتقالات والمحاكمات واستعادة الأراضي.
تحدي المستقبل
يعتمد نجاح غانا في مواجهة هذه الأزمة على تطبيق صارم للقوانين، وتوفير بدائل اقتصادية واقعية للمجتمعات المتضررة، وضمان شفافية كاملة في تسويق الذهب وتقليص السوق السوداء.
فالقضية لم تعد مجرد انتهاك بيئي، بل اختبار حقيقي لقدرة الحكومة على فرض سيادة القانون وتحقيق توازن بين التنمية المستدامة وحماية الموارد الطبيعية.







