الإنترنت.. من فضاء مهمّش إلى ساحة تُتاجر بالخصوصية

مرّ الإنترنت بتحوّلات جذرية منذ نشأته، فبعد أن كان فضاءً غريباً لا يرتاده سوى قلة من الهواة والمهمشين التقنيين، أصبح اليوم أحد أعمدة الحياة الحديثة، بحسب تقارير صادرة عن الأمم المتحدة وهيئات دولية معنية.
لكن خلف هذا التطور الهائل، تختبئ مناطق مظلمة في تاريخ الإنترنت، أبرزها استغلال بيانات المستخدمين وتحويلهم إلى سلعة تباع وتشترى. فالشبكة التي تبدو مجانية في ظاهرها، تُموّل فعلياً من خلال جمع معلومات شخصية دقيقة عنك، وصولاً إلى بيانات قد لا تدرك وجودها أنت نفسك.
لماذا تُجمع بياناتك؟ ومن يجمعها؟
الإنترنت نفسه لا يُعد فاعلاً مستقلاً في عمليات جمع البيانات، بل هو مجرد أداة توصيل. الجهات التي تجمع البيانات فعلياً هي شركات التكنولوجيا الكبرى، وشركات تحليل البيانات أو ما يُعرف اليوم بـ**”شركات البيانات الضخمة”** (Big Data)، والتي تحوّلت إلى ركيزة اقتصادية أساسية.
تُستخدم هذه البيانات في:
- تحليل السلوك البشري
- بناء حملات تسويقية فعالة
- تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي
- تحسين تصميم المنتجات والخدمات
- دعم قرارات الحكومات والهيئات الأمنية
البيانات الضخمة أصبحت “ذهب العصر الرقمي”، ما يدفع الشركات لدفع مليارات الدولارات مقابل الوصول إليها، تحليلها، وتسخيرها لخدمة أهدافها التجارية أو السياسية.
ما نوع البيانات التي تُجمع عنك؟
الشركات تجمع طيفاً واسعاً من المعلومات التي يمكن الحصول عليها عبر الإنترنت، وتشمل:
- بيانات تعريفية أساسية
كالاسم، البريد الإلكتروني، رقم الهاتف، الموقع الجغرافي، اللغة، الجنس. - بيانات سلوكية وتحليلية
مثل المواقع التي تزورها، مدة بقائك فيها، المنتجات التي تشتريها، وطريقة الدفع التي تفضلها. - بيانات تقنية
كنوع الجهاز، نظام التشغيل، سرعة الإنترنت، مزود الخدمة. - انتماءات وأفكار
أحياناً تُجمع بيانات عن ميولك السياسية أو الدينية، وحتى توجهاتك الاجتماعية. - بيانات تجسسية
يتم جمعها إما من خلال هيئات حكومية لأغراض أمنية أو عبر هجمات إلكترونية واختراقات سيبرانية.
يتم ذلك من خلال مواقع الويب، التطبيقات، منصات التواصل، وحتى أنظمة تشغيل الهواتف والحواسيب، عبر تقنيات مثل “ملفات الارتباط” (Cookies)، أو أدوات تتبع متقدمة من جهات الطرف الأول والثالث.
هل يمكن منع جمع البيانات؟ نعم، ولكن بثمن
رغم أن بإمكان المستخدم تقنياً الحد من تتبّع بياناته عبر أدوات الحماية المختلفة، فإن التخلي عن جمع البيانات بالكامل يعني الخروج تقريباً من النظام الرقمي الحديث، حيث تعتمد معظم الخدمات على تحليل سلوك المستخدمين لتعمل بكفاءة.
ومع ذلك، توجد حلول للحد من هذه الممارسات دون مغادرة الإنترنت تماماً، وأبرزها:
4 خطوات سهلة لحماية خصوصيتك على الإنترنت
- استخدام الشبكات الخاصة (VPN) والاتصال الآمن
تطبيقات VPN تتيح تشفير الاتصال وحماية عنوان IP الحقيقي. يمكن أيضاً استخدام أجهزة راوتر آمنة أو خدمات تغيير عنوان الإنترنت. - الاعتماد على بريد إلكتروني وهمي
خدمات مثل “مؤقت” أو ميزة “Hide My Email” من Apple توفر عناوين بريد إلكتروني مؤقتة تُستخدم مرة واحدة وتمنع تعقب هويتك. - اختيار متصفحات تُعزز الخصوصية
مثل “Brave” و”DuckDuckGo”، أو حتى متصفح “Tor” للتخفي الكامل، وإن كان الأخير يحتاج حذراً عند استخدامه. - التحول إلى خدمات بديلة تحترم الخصوصية
كاستبدال محرك بحث Google بـ DuckDuckGo، واستخدام خدمات بريد إلكتروني مشفرة مثل ProtonMail.
الخلاصة: أنت السلعة.. ما لم تُقاوم
في ظل الاقتصاد الرقمي الحالي، لم تعد البيانات مجرد معلومات بل أصبحت عملة تبادلية. وإذا لم تجد شيئاً تدفعه مقابل خدمة ما، فغالباً أنت هو المنتج المعروض للبيع.
الوعي، واستخدام الأدوات الصحيحة، هما خط الدفاع الأول في مواجهة اقتصاد يعتمد على تعرية خصوصيتك وبيعها لمن يدفع أكثر.