تقنية

الأمن السيبراني في أفريقيا.. صراع بين الطفرة الرقمية وتحديات الحماية الرقمية

شهدت القارة الأفريقية خلال الأعوام الأخيرة طفرة غير مسبوقة في استخدام الإنترنت والخدمات الرقمية، خاصة بين فئة الشباب التي أصبحت تُعرف اليوم بـ”الجيل الرقمي”. غير أن هذه النقلة النوعية رافقتها تحديات متصاعدة في مجال الأمن السيبراني، تجلت في تنامي عمليات الاحتيال والهجمات الرقمية، وانتشار حملات التضليل وزرع الفوضى، وتحول الفضاء الرقمي إلى ساحة صراع على النفوذ، بما يحمله ذلك من انعكاسات خطيرة وتكاليف باهظة.

في دراسة أصدرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان “الأمن السيبراني في أفريقيا بين التحديات المحلية والرهانات الإستراتيجية”، تناول الباحث مصطفى جالي أبرز ملامح المشهد السيبراني في القارة من خلال أربعة محاور رئيسية: طبيعة التهديدات الرقمية، الإجراءات الوقائية، التحديات المركّبة، والرهانات الدولية المطروحة أمامها.

صعود التهديدات السيبرانية

أظهرت بيانات الإنتربول أن أكثر من 160 مليون مستخدم جديد انضموا إلى الفضاء الرقمي بين 2019 و2022، مدفوعين بتوسع البنية التحتية للخدمات المصرفية والتجارة الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي. وتعتمد الغالبية العظمى من المستخدمين على الهواتف المحمولة، التي بلغ عددها نحو 650 مليون جهاز يشكّل مستخدموها 60% من سكان أفريقيا.

لكن هذا التوسع الرقمي انعكس في ارتفاع غير مسبوق للهجمات السيبرانية، إذ سجّلت القارة عام 2023 زيادة بنسبة 23% في متوسط الهجمات الأسبوعية على المؤسسات مقارنة بالعام السابق، وهو المعدّل الأعلى عالمياً. وتصدّرت هجمات الفدية (Ransomware) وعمليات الاحتيال عبر الإنترنت قائمة التهديدات، مع قدرتها العالية على إحداث خسائر مالية وتعطيل الخدمات الحيوية. وتُظهر الدراسات أن مؤسسة واحدة من أصل 15 مؤسسة أفريقية تتعرض أسبوعياً لمحاولة هجوم فدية، أي ضعف المعدل العالمي.

أبعاد جيوسياسية

يتجاوز التهديد السيبراني البعد التقني ليأخذ طابعاً جيوسياسياً وأمنياً، إذ باتت بعض الدول توظف الهجمات الإلكترونية كجزء من استراتيجيات نفوذها في القارة. على سبيل المثال، كشفت تقارير عن إدارة روسيا أكثر من 175 صفحة على فيسبوك في 21 دولة أفريقية بعد حرب أوكرانيا، للتأثير على الرأي العام عبر محتوى موجه يصعب ربطه مباشرة بموسكو.

تفاوت في مستويات الالتزام

بحسب المؤشر العالمي للأمن السيبراني 2024، لم تحرز سوى سبع دول أفريقية مرتبة “النموذج الرائد”، فيما لا تزال الغالبية إما في طور التأسيس أو البناء الأولي. ومع ذلك، لوحظ تقدم تدريجي في مجالات التشريع والتدريب، حيث اعتمدت أكثر من 12 دولة قوانين جديدة، وارتفعت المبادرات التدريبية إلى أكثر من 130، إلى جانب 40 حملة توعية عامة.

تحديات مركّبة

رغم الخطوات الإيجابية، ما تزال القارة تواجه عوائق هيكلية أبرزها:

  • ضعف الوعي بخطورة الأمن السيبراني داخل المؤسسات والأفراد.
  • نقص الكفاءات المتخصصة وندرة برامج التدريب.
  • محدودية الموارد المالية، حيث تنفق ثلثا الشركات الكبرى أقل من 20 ألف يورو سنوياً على الأمن السيبراني.
  • اتساع الفجوة التشريعية والتقنية بين الدول.

نحو سيادة رقمية أفريقية

يمثل الأمن السيبراني اليوم عنصراً محورياً في أجندة الاتحاد الأفريقي 2063 وخطط التحول الرقمي. وقد بدأت القارة بتعزيز تعاونها عبر اتفاقية مالابو (2014) التي دخلت حيّز التنفيذ عام 2023، وإنشاء مراكز تنسيق متخصصة مثل مركز لومي. ومع ذلك، تبقى الحاجة ماسة إلى خطوات أكثر جرأة تشمل:

  • مواجهة الحملات الدعائية الأجنبية.
  • تطوير البنى الدفاعية الرقمية.
  • حماية السيادة الرقمية للدول.
  • توسيع الشراكات الدولية وبناء قدرات محلية مستدامة.
  • ✦ باختصار، تمثل القارة الأفريقية اليوم ساحة واعدة ورهاناً استراتيجياً في معركة الأمن السيبراني العالمية، بين تحديات متصاعدة وفرص حقيقية لبناء منظومة حماية رقمية قادرة على مواكبة التحول الرقمي السريع.
زر الذهاب إلى الأعلى