اكتشاف متأخر لمرض وراثي يفسر وفاة شابة بعد الولادة ويكشف ثغرات في التشخيص الجيني

في أول تجربة للأمومة، وضعت شابة في العشرينات من عمرها طفلها الأول وهي تبدو في صحة جيدة، غير أن فرحتها لم تدم طويلًا، إذ أصيبت بقصور حاد في القلب قبل أن تتعافى لاحقًا وتُنجب طفلها الثاني بعد سنوات قليلة. سمح لها الأطباء بالعودة إلى منزلها مع مولودها الجديد، لكنها بعد أشهر قليلة فقط نُقلت على وجه السرعة إلى المستشفى إثر انتكاسة قلبية انتهت بوفاتها داخل وحدة العناية المركزة في مستشفى بولاية بنسلفانيا الأميركية.
بعد سنوات من رحيلها، كشفت دراسة حديثة السر وراء تدهور حالتها الصحية، إذ تبين أنها كانت تعاني من مرض وراثي لم يُكتشف في حينه. ووفق تقرير نشرته صحيفة فيلادلفيا إنكوايرر، فإن قصتها تمثل نموذجًا للعديد من المرضى الذين كان من الممكن إنقاذ حياتهم لو خضعوا لاختبارات الحمض النووي (DNA) في وقت مبكر.
الدراسة التي نُشرت في المجلة الأميركية لعلم الوراثة البشرية، خلصت إلى أن واحدًا من كل أربعة بالغين في وحدات العناية المركزة في بنسلفانيا مصاب بمرض وراثي مرتبط مباشرة بالمشكلة الطبية التي دخل المستشفى بسببها، في حين أن نصف هؤلاء لم يكن لديهم أي معرفة سابقة بحالتهم.
يقول ثيودور دريفاس، الباحث في علم الوراثة الطبية في مستشفى جامعة بنسلفانيا والمعدّ الرئيسي للدراسة:
“كنت أتوقع أن يكون الرقم مقلقًا، لكنه فاق كل التوقعات.”
كما بيّنت النتائج أن نسبة الوعي بالحالات الوراثية تختلف بشكل واضح بين الأعراق؛ إذ كان 63% من المرضى البيض على علم بمرضهم، مقابل 22% فقط من المرضى ذوي البشرة السمراء.
اعتمد الباحثون في دراستهم على عينة من 365 مريضًا تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عامًا، أودعوا وحدات العناية المركزة في مستشفيات بنسلفانيا، وسُجلت بياناتهم في البنك الحيوي للأدوية بالولاية، الذي يحتفظ بعينات دم استخدمت لتتبع الجينات بحثًا عن الطفرات المسببة للأمراض.
عند تحليل جينات السيدة المتوفاة، اكتشف الباحثون أنها كانت تحمل طفرة في جين يُعرف باسم “تيتين” (TTN)، وهو جين يرتبط بارتفاع خطر الإصابة بقصور القلب خلال الحمل أو بعده. ويقول دريفاس:
“لو كنا نعلم بوجود هذه الطفرة، لكان تعامل الأطباء مع حالتها مختلفًا تمامًا.”
قصور القلب كان يمكن تفاديه
كان من الممكن أن تُراقَب وظائف قلب السيدة بانتظام بعد ولادتها الثانية، لكن غياب الفحص الجيني جعل الأطباء لا يتوقعون الانتكاسة، فعادت إلى المستشفى بعد فوات الأوان. وبشكل مماثل، سُجلت حالة لمريضة أخرى أصيبت بتمدد في الأوعية الدموية عقب عملية جراحية، وهو عارض كان يمكن تجنبه لو أُجري لها اختبار جيني مسبق.
ورغم أن معظم المرضى الذين شملتهم الدراسة نجوا بعد دخولهم وحدات العناية المركزة، إلا أن الباحثين يؤكدون أن الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية كان سيوجه الأطباء نحو رعاية أكثر دقة واستهدافًا.
الحاجة إلى فحوص جينية شاملة
يشير دريفاس إلى أن الدراسة تسلط الضوء على نقص حاد في استخدام الفحوص الجينية بين البالغين، حتى في الحالات الحرجة. ويقول إن الاختبارات الحديثة أصبحت متاحة على نطاق واسع وتكلفتها انخفضت إلى بضع مئات من الدولارات، ما يجعل تعميمها أمرًا ممكنًا وضروريًا.
وأضاف أن المجال الطبي ظل لعقود يفترض أن الأمراض الوراثية تصيب الأطفال فقط، لكن الواقع يُظهر أن كثيرًا منها يمكن أن يظهر في مراحل لاحقة من العمر، مؤكدًا أن إعادة النظر في هذا الافتراض قد تنقذ حياة عدد كبير من المرضى مستقبلاً.
وختم دريفاس بالقول:
“لقد آن الأوان لأن تصبح الاختبارات الجينية جزءًا أساسيًا من الرعاية الطبية لكل مريض بالغ، قبل أن يفاجئنا المرض بما لا يمكن علاجه.”







