اكتشاف كابح جزيئي يفتح آفاقًا جديدة لعلاج التصلب اللويحي وإصلاح الأعصاب

توصل فريق من العلماء إلى اكتشاف مهم يتمثل في تحديد كابح بيولوجي يتحكم في توقيت نضوج الخلايا العصبية المسؤولة عن تكوين الغلاف الواقي للأعصاب، المعروف بـ غمد الميالين، وهو ما يفتح آفاقًا جديدة في مجال الطب التجديدي لعلاج مرض التصلب اللويحي (أو التصلب المتعدد) وأمراض أخرى تصيب الجهاز العصبي.
وأظهرت الدراسة أن هذا الكابح يظل نشطًا لفترة طويلة في حالات التصلب اللويحي، مما يمنع الخلايا من أداء دورها في إصلاح الأنسجة العصبية المتضررة. وقد أجريت الأبحاث في معهد علوم الخلايا الدبقية التابع لكلية الطب في جامعة كيس ويسترن ريزيرف الأمريكية، ونشرت نتائجها في مجلة Cell بتاريخ 25 أغسطس/آب، كما تناولها موقع EurekAlert العلمي.
ويُصنف مرض التصلب اللويحي ضمن أمراض المناعة الذاتية، حيث يهاجم الجهاز المناعي عن طريق الخطأ الطبقة التي تحمي الأعصاب، أي غمد الميالين. ويؤدي تلف هذا الغمد إلى اضطراب في نقل الإشارات العصبية، مما يسبب مشكلات في الحركة والإدراك والإحساس.
وأوضح بول تيسار، مدير المعهد وأستاذ العلاجات المبتكرة بالجامعة والمشارك في البحث، أن “تلف الميالين هو السبب المباشر للإعاقة في مرض التصلب العصبي المتعدد، ولا تملك القدرة على إصلاحه سوى الخلايا الدبقية المعروفة باسم الخلايا قليلة التغصن (Oligodendrocytes)”. وأضاف: “من خلال تحديد هذا الكابح الجزيئي الذي يتحكم في نضوج هذه الخلايا، نكشف عن مسار واضح يمكن أن يُستخدم لإطلاق برامج إصلاح الدماغ مستقبلاً”.
كيف يتكون غمد الميالين؟
تركزت الدراسة على الخلايا قليلة التغصن، وهي المسؤولة عن تغليف الأعصاب بطبقة الميالين العازلة. وتنتمي هذه الخلايا إلى فئة الخلايا الدبقية التي تشكل أكثر من نصف مكونات الجهاز العصبي.
ولفهم آلية نضوجها، تتبع الباحثون آلاف التغيرات الجزيئية التي تمر بها الخلايا أثناء تحولها من الحالة غير الناضجة إلى الحالة الناضجة المكونة للميالين. وخلال هذا التحليل، برز بروتين رئيسي يُعرف باسم “إس أو إكس 6” (SOX6).
وأظهرت النتائج أن هذا البروتين يعمل كـ”كابح” طبيعي يمنع الخلايا من النضوج المبكر، في ظاهرة تُعرف بـ ذوبان الجينات (gene melting). ويعد هذا الكبح ضروريًا لنمو الدماغ السليم، إذ يضمن أن نضوج الخلايا يحدث في التوقيت والمكان المناسبين. غير أن هذه الآلية الوقائية تتعطل في مرض التصلب المتعدد، مما يعيق عملية الإصلاح الذاتي في الدماغ.
خلايا “عالقة” في منتصف الطريق
أشار الباحث كيفن ألان، أحد المشاركين في الدراسة، إلى أن الفريق فوجئ بقدرة بروتين “إس أو إكس 6” على التحكم الدقيق في عملية النضوج، مضيفًا: “هذا الاكتشاف يقدم تفسيرًا محتملاً لسبب عجز الخلايا قليلة التغصن عن إعادة تكوين الميالين في الأعصاب المصابة بالتلف”.
وعند تحليل عينات من أدمغة مرضى التصلب المتعدد، لاحظ العلماء وجود عدد كبير من الخلايا “العالقة” في مرحلة غير ناضجة، وهي حالة مرتبطة مباشرة ببروتين “إس أو إكس 6”. واللافت أن هذه الظاهرة لم تظهر في أدمغة مرضى ألزهايمر أو باركنسون، ما يؤكد خصوصيتها في التصلب المتعدد.
وللتأكد من إمكانية تجاوز هذا الكبح، استخدم الباحثون علاجًا جزيئيًا تجريبيًا يُعرف باسم “قليل النوكليوتيد المضاد للاتجاه” (Antisense Oligonucleotide)، يستهدف تقليل نشاط بروتين “إس أو إكس 6” في فئران التجارب. وقد أظهرت النتائج أن الخلايا بدأت بالنضوج خلال أيام قليلة وشرعت في تكوين الميالين حول الأعصاب المتضررة.
وأكد الباحث جيسي زان، المشارك في الدراسة، أن “الخلايا قليلة التغصن في مرضى التصلب المتعدد لا تفقد قدرتها نهائيًا على العمل، بل تتوقف مؤقتًا بسبب هذا الكبح الجزيئي”، مضيفًا: “لقد برهنا أنه من الممكن تحرير هذه الخلايا وإعادتها إلى نشاطها الطبيعي لإصلاح الدماغ”.
نحو علاجات تجديدية جديدة
يواصل الفريق العلمي دراسة الأسباب التي تؤدي إلى استمرار هذه الحالة غير الناضجة في أدمغة المرضى، ويبحث ما إذا كانت الآلية نفسها قد تلعب دورًا في أمراض عصبية أخرى. ويقول تيسار: “إن مرض التصلب العصبي المتعدد يزداد سوءًا مع مرور الوقت، وما زالت العلاجات الحالية عاجزة عن استعادة الميالين المفقود، لكننا نعتقد أن هذا الاكتشاف يمثل خطوة جوهرية نحو تحقيق وعد الطب التجديدي الذي يحتاجه ملايين المرضى حول العالم”.