اكتشاف علمي يفتح آفاقاً جديدة لعلاج داء السكري من النوع الأول

كشف فريق من الباحثين في مايو كلينك بالولايات المتحدة عن جزيء سكري تستعين به الخلايا السرطانية للاختباء من الجهاز المناعي، وأظهروا أن هذا الجزيء ذاته قد يحمل إمكانات واعدة في علاج داء السكري من النوع الأول. وقد نُشرت نتائج الدراسة في مجلة الأبحاث السريرية (Journal of Clinical Investigation) مطلع أغسطس/آب الجاري، كما تناولها موقع “يوريك أليرت”.
يُصنَّف داء السكري من النوع الأول ضمن أمراض المناعة الذاتية، إذ يهاجم الجهاز المناعي عن طريق الخطأ خلايا بيتا المنتجة للإنسولين في البنكرياس، مما يؤدي إلى فقدان القدرة الطبيعية على تنظيم مستوى السكر في الدم. ويُقدَّر عدد المصابين بهذا المرض في الولايات المتحدة بنحو 1.3 مليون شخص، نتيجة تداخل العوامل الوراثية والبيئية.
جزيء سكر يحمي الخلايا
تتبع الخلايا السرطانية استراتيجيات معقدة للإفلات من الاستجابة المناعية، من أبرزها تغليف نفسها بجزيء يُعرف بـ حمض السياليك. واستناداً إلى هذا المبدأ، قام الباحثون بحقن خلايا بيتا في فئران مختبر مصابة بالسكري من النوع الأول بنفس الجزيء، فلاحظوا قدرة الخلايا على الصمود أمام هجوم المناعة، وكأن الجهاز المناعي قد تعلّم “التسامح” معها.
توضح الدكتورة فرجينيا شابيرو، باحثة علم المناعة والمشاركة في الدراسة، قائلة:
“تشير نتائجنا إلى إمكانية هندسة خلايا بيتا بحيث لا تُحفّز ردة فعل مناعية مدمّرة”.
وكان فريقها قد أثبت قبل سنوات أن إنزيماً يُدعى ST8Sia6 يعزز من إنتاج حمض السياليك على أسطح الخلايا السرطانية، فيغلفها بطبقة سكرية تحميها من الجهاز المناعي. وقد أثار ذلك تساؤلات حول إمكانية توظيف الإنزيم نفسه لحماية الخلايا السليمة من الاستجابات المناعية غير الطبيعية.
نتائج واعدة في التجارب الحيوانية
لإثبات الفرضية، أجرى الفريق تجارب على فئران تتطور لديها الإصابة بالسكري المناعي الذاتي بشكل تلقائي، وهي حالة تقارب إلى حد بعيد ما يحدث لدى البشر. وبعد هندسة خلايا بيتا لإنتاج إنزيم ST8Sia6، تبيّن أن هذه الخلايا كانت قادرة على منع تطور المرض بنسبة وصلت إلى 90%.
الأهم من ذلك أن الجهاز المناعي للفئران ظل نشطاً وسليماً في مواجهة التهديدات الأخرى، ما يشير إلى أن التعديل الوراثي استهدف الخلايا المطلوبة فقط دون إضعاف المناعة بشكل عام.
نحو علاجات مبتكرة للسكري
رغم أن داء السكري من النوع الأول لا يزال بلا علاج شافٍ حتى الآن، فإن هذه النتائج قد تمهّد الطريق أمام تطوير بدائل جديدة. فالعلاجات الحالية تعتمد على حقن الإنسولين أو زراعة خلايا جزر البنكرياس، وهي عمليات تتطلب غالباً تثبيطاً واسعاً للمناعة، بما يحمله ذلك من مخاطر.
وترى الدكتورة شابيرو أن الهدف المستقبلي هو تطوير خلايا بيتا معدّلة وراثياً قابلة للزرع، قادرة على العمل دون الحاجة إلى كبح شامل للجهاز المناعي، مما يفتح آفاقاً لعلاج أكثر أماناً وفاعلية.
وتضيف:
“رغم أننا لا نزال في المراحل الأولى، إلا أن هذه النتائج قد تكون خطوة مهمة نحو تحسين الرعاية الطبية لملايين المرضى حول العالم”.