افتتاح سد النهضة.. إنجاز إثيوبي تاريخي بين الفخر الوطني والجدل الإقليمي

تفتتح إثيوبيا، اليوم الثلاثاء، مشروع سد النهضة، الذي يعد أضخم منشأة مائية لتوليد الطاقة الكهربائية في تاريخها، بعد عقد كامل من العمل المتواصل استغرق 10 سنوات، بهدف إنتاج نحو 6 آلاف ميغاواط من الكهرباء الكهرومائية.
ورغم اكتمال بناء السد، ما يزال الخلاف قائماً بين إثيوبيا من جهة، ومصر والسودان من جهة أخرى، في ظل تعثر المفاوضات حول آليات ملء وتشغيل السد. وفي تصريح للجزيرة، أكد مستشار وزير المياه والطاقة الإثيوبي أن بلاده تسعى عبر مفاوضات جادة إلى تبديد المخاوف التي تبديها دول الجوار.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، يمثل السد الذي شيدته أديس أبابا على نهر النيل محور نزاع إقليمي ممتد منذ أكثر من عقد؛ فمصر تعتبره “تهديداً وجودياً”، بينما تراه إثيوبيا “فرصة تنموية” لها وللمنطقة بأسرها.
ويُنظر إلى المشروع داخلياً باعتباره مصدر اعتزاز قومي، وإجماعاً نادراً في بلد يواجه نزاعات داخلية متواصلة في مناطق مثل أوروميا وأمهرة، وحروب سابقة في إقليم تيغراي الذي شهد نزاعاً انتهى عام 2022 بعد حصاد دموي قدّرت خسائره البشرية بـ 600 ألف قتيل، وفق الاتحاد الأفريقي.
دبلوماسي غربي في أديس أبابا أوضح للوكالة الفرنسية أن هناك قضيتين أساسيتين فقط تحظيان بتوافق واسع في إثيوبيا: الوصول إلى البحر وسد النهضة، خاصة بعد فقدان البلاد منفذها البحري عقب استقلال إريتريا عام 1993.
انطلق المشروع رسمياً في أبريل/نيسان 2011 بميزانية قاربت 4 مليارات دولار، ليصبح أكبر مشروع كهرومائي في إفريقيا، بعرض يصل إلى 1.8 كيلومتر وارتفاع 145 متراً، وبقدرة تخزينية تبلغ 74 مليار متر مكعب من المياه. ومنذ وضع حجر أساسه، دخل السد في قلب لعبة جيوسياسية معقدة، تصاعدت معها الانتقادات المصرية التي تخشى من تراجع حصتها المائية.
مصر، التي يعتمد 97% من سكانها البالغ عددهم 110 ملايين نسمة على مياه النيل لتغطية احتياجاتهم، تواجه فجوة مائية كبيرة؛ إذ تقدر مواردها السنوية بنحو 56.6 مليار متر مكعب، مقابل احتياجات تتجاوز 114 مليار متر مكعب، وفق وزارة الموارد المائية والري المصرية.
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وخلال مقابلة تلفزيونية من موقع السد، وصف المشروع بأنه إنجاز تاريخي طال انتظاره لأكثر من ألف عام. وفي المقابل، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أغسطس/آب الماضي على أن “أي تهديد للأمن المائي المصري لن يُتسامح معه”، مؤكداً أن القاهرة ستستخدم “جميع الوسائل المتاحة في إطار القانون الدولي لحماية حقوقها المائية”.
وفي هذا السياق، كثفت القاهرة اتصالاتها الإقليمية، لاسيما مع إريتريا والصومال، فيما جدّد السودان موقفه المشترك مع مصر في يونيو/حزيران، رافضاً “الإجراءات الأحادية في حوض النيل الأزرق” ومبدياً قلقه من تشغيل السد دون اتفاق شامل.
ورغم تعدد محاولات الوساطة التي قادتها الولايات المتحدة، والبنك الدولي، وروسيا، والإمارات، والاتحاد الأفريقي، فإنها جميعاً لم تنجح في التوصل إلى تسوية نهائية.
آبي أحمد، من جانبه، وجه في يوليو/تموز رسالة إلى دولتي المصب، قائلاً إن “سد النهضة ليس تهديداً، بل فرصة مشتركة”، مؤكداً أن الطاقة والتنمية المتوقعة من المشروع ستنعكس على المنطقة بأسرها، وهو الموقف الذي أعاد التأكيد عليه مؤخراً بقوله: “السدود المصرية والسودانية ينبغي أن تكون ممتلئة، ولا نسعى لإثارة أي مخاوف”.
ويؤكد خبراء أن التعايش السلمي بين دول حوض النيل أمر ممكن إذا أُحسن تنظيم إدارة الموارد المشتركة. وفي هذا السياق، يشير الباحث أبيل أبات ديميسي من مجموعة تشاتام هاوس إلى أن “النيل قادر على تلبية احتياجات جميع الدول الواقعة في أعاليه أو مصبه، شريطة أن يُدار بصورة رشيدة وعادلة”.