ابتكار طبي ثوري: سماعة مدعّمة بالذكاء الاصطناعي تشخص أمراض القلب في 15 ثانية فقط

في إنجاز طبي غير مسبوق، ابتكر فريق من الباحثين في إمبريال كوليدج بالمملكة المتحدة سماعة طبيب ذكية مدعّمة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، قادرة على اكتشاف ثلاث مشكلات قلبية رئيسية خلال 15 ثانية فقط، من بينها الكشف المبكر عن قصور القلب. وقد عُرضت نتائج هذا الابتكار خلال المؤتمر السنوي للجمعية الأوروبية لأمراض القلب في العاصمة الإسبانية مدريد يوم 29 أغسطس/آب الماضي، ونشرتها مجلة نيوزويك الأميركية.
قفزة تكنولوجية في أدوات التشخيص الطبي
تُعد هذه السماعة نقلة نوعية في عالم الطب، إذ تتجاوز إمكانات السماعة التقليدية التي اخترعت عام 1816 والمخصصة للاستماع إلى الأصوات الداخلية للجسم. فبفضل دمجها بالذكاء الاصطناعي، تستطيع النسخة المطوّرة تحليل الاختلافات الطفيفة في ضربات القلب وتدفق الدم، وهي تفاصيل لا يمكن للأذن البشرية رصدها، إلى جانب قدرتها على إجراء تخطيط قلب كهربائي سريع في اللحظة نفسها.
وقالت الدكتورة سونيا بابو نارايان، المديرة السريرية في مؤسسة القلب البريطانية واستشارية أمراض القلب، إن هذا الابتكار يمثل “تطويرًا مذهلًا لأداة بسيطة تعود إلى أكثر من 200 عام، لتواكب متطلبات القرن الحادي والعشرين”.
أما الدكتور باتريك باشتغر من مستشفى إمبريال فقد وصف التجربة بأنها “ثورة في التشخيص”، موضحًا أن السماعة تستطيع خلال أقل من 15 ثانية تحديد ما إذا كان المريض يعاني من قصور القلب، أو الرجفان الأذيني، أو أمراض صمامات القلب، وهي اضطرابات غالبًا ما يصعب اكتشافها في المراحل المبكرة.
كيف تعمل السماعة الذكية؟
تُستخدم السماعة بوضعها على صدر المريض لإجراء تخطيط كهربائي للقلب وتسجيل الإشارات الكهربائية وتدفق الدم عبر الميكروفون المتصل بها.
بعد ذلك، تُرسل البيانات إلى خوارزمية ذكاء اصطناعي تقوم بتحليلها اعتمادًا على بيانات سريرية ضخمة مأخوذة من عشرات الآلاف من المرضى.
وفي غضون ثوانٍ، تُرسل النتيجة النهائية إلى الهاتف الذكي للطبيب، لتُظهر ما إذا كان المريض معرّضًا لخطر الإصابة بقصور القلب أو غيره من الاضطرابات القلبية.
كما أن خوارزمية منفصلة قادرة على رصد حالة الرجفان الأذيني، وهي اضطراب شائع في نظم ضربات القلب قد يؤدي إلى سكتات دماغية في حال عدم اكتشافه مبكرًا.
نتائج الدراسة: تشخيص أسرع ودقة واعدة
شملت الدراسة أكثر من 12 ألف مريض من 200 عيادة طبية ممن ظهرت عليهم أعراض مثل ضيق التنفس، التعب، وتورم الساقين.
وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين خضعوا للفحص بالسماعة الذكية كانت احتمالية تشخيصهم بـ قصور القلب ضعف أولئك الذين لم يُفحصوا بها، كما ارتفعت احتمالية اكتشاف الرجفان الأذيني بمعدل 3.5 أضعاف، وأمراض صمامات القلب بمعدل يقارب الضعف.
ويؤكد الباحثون أن هذه الأداة قد تساعد الأطباء في التشخيص المبكر، مما يتيح تقديم العلاج المناسب في وقت مبكر قبل تفاقم الحالة.
الأمراض القلبية في أرقام
تُعد أمراض القلب والأوعية الدموية السبب الأول للوفاة عالميًا، إذ تودي بحياة نحو 17.9 مليون شخص سنويًا.
وتعزى 4 من كل 5 وفيات إلى النوبات القلبية والسكتات الدماغية، ويحدث ثلثها لدى أشخاص تقل أعمارهم عن 70 عامًا.
وأوضح الدكتور ميهير كيلشيكر من مستشفى إمبريال أن “غالبية مرضى قصور القلب يُشخّصون في مراحل متأخرة، وغالبًا بعد وصولهم إلى أقسام الطوارئ وهم في حالة حرجة”، مؤكدًا أن هذه التقنية يمكن أن تغيّر هذا الواقع جذريًا عبر تسهيل التشخيص السريع والدقيق.
تحديات الاستخدام ومحدودية الدقة
رغم النتائج الواعدة، أظهرت الدراسة أن 70% من العيادات التي زُوّدت بالسماعات الذكية توقفت عن استخدامها أو استخدمتها بشكل غير منتظم بعد عام من التجربة، ما يشير إلى حاجة ماسة لتكامل أفضل بين التكنولوجيا الجديدة والممارسات الطبية اليومية.
كما بيّنت النتائج أن نحو ثلثي المرضى الذين اشتبهت السماعة بإصابتهم بقصور القلب لم تثبت إصابتهم فعليًا بعد الفحوص الإضافية، مما يعني احتمال حدوث تشخيصات خاطئة قد تؤدي إلى قلق غير ضروري أو فحوصات إضافية.
ورغم ذلك، يرى الباحثون أن هذه الأخطاء أقل ضررًا من تأخر التشخيص، إذ تتيح السماعة فرصة لاكتشاف حالات كان يمكن أن تُغفل تمامًا في الفحوص التقليدية.
وقال الدكتور كيلشيكر إن “دقة نتائج الذكاء الاصطناعي ستتحسن بمرور الوقت، بفضل اعتماده على بيانات تراكمية من آلاف الفحوصات”، مؤكدًا أن التكنولوجيا لا تهدف إلى استبدال الطبيب بل تعزيز قدرته على التشخيص السريع والدقيق.
خلاصة
يمثل هذا الابتكار خطوة كبيرة نحو دمج الذكاء الاصطناعي في أدوات التشخيص الطبي اليومية، مما يفتح آفاقًا جديدة أمام الطب الوقائي.
ورغم التحديات المتعلقة بالدقة والتبني الواسع، إلا أن السماعة الذكية تعد رمزًا لثورة طبية قادمة، حيث يمتزج العلم الكلاسيكي بالتقنيات الحديثة لخدمة أهم ما يملكه الإنسان: قلبه وصحته.