الرياضة

إيان رايت.. من ظلال الألم إلى أضواء المجد

قلة هم أولئك الذين تجاوزوا حدود الشهرة ليصبحوا رموزًا يتناقل الناس سيرتهم عبر الأجيال، ومن بين هؤلاء يقف إيان رايت، المهاجم السابق لمنتخب إنجلترا ونادي أرسنال، كحكاية إنسانية مدهشة، نُسجت خيوطها بين المعاناة والإنجاز، بين جدران السجن وأهازيج المدرجات.

وُلد رايت عام 1963 في وولويتش جنوب شرق لندن، لأبوين من أصول جامايكية، ونشأ في منطقة هونور أوك التي كانت تؤوي العائلات المهجرة من الأحياء الفقيرة بعد الحرب العالمية الثانية. واجه في طفولته ظروفًا قاسية، أبرزها العنف الأسري الذي خلّف ندوبًا نفسية، دفعته لاحقًا للخضوع للعلاج النفسي لتجاوز آثاره العميقة.

في سن الرابعة عشرة، ترك مقاعد الدراسة ليعمل في مهنة البناء. وبعد مسيرة متواضعة في أندية الهواة، دخل السجن لمدة 32 يومًا عام 1982 بسبب مخالفات مرورية وقيادة دون ترخيص. لكن هذه التجربة لم تكسره، بل أعادت تشكيل إرادته.

عند بلوغه 21 عامًا، وقّع رايت أول عقد احترافي مع نادي كريستال بالاس، حيث برز بشكل لافت بتسجيله 117 هدفًا، مساهماً في صعود الفريق إلى الدرجة الأولى، ما جعله محط أنظار أرسنال، الذي ضمه في صفقة قياسية عام 1991.

مع أرسنال، كتب رايت فصولًا ذهبية من مسيرته، حيث أصبح الهداف التاريخي للنادي قبل أن يتجاوزه تييري هنري لاحقًا، وتُوج بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز وكأس الاتحاد الإنجليزي، كما خاض 213 مباراة في الدوري الممتاز أحرز خلالها 113 هدفًا.

إلا أن إيان رايت لم يكن مجرد ماكينة تهديف؛ بل كان صوتًا نابضًا من جنوب لندن، يتحدث بلهجته المميزة ويعبّر عن شغفه وحضوره بطريقته الخاصة، ليغدو أيقونة محبوبة تتجاوز الانتماءات الكروية.

بعد اعتزاله، فتح له الإعلام أبوابه، فبات أحد أبرز نجوم برنامج “مباراة اليوم” الشهير على قناة BBC، مستفيدًا من شخصيته القوية وجرأته في التعبير.

وعلى المستوى الدولي، شارك رايت في 33 مباراة مع المنتخب الإنجليزي وسجل 9 أهداف، لكنه لم يُستدعِ للمشاركة في أي بطولة كبرى، وهو ما أرجعه في أحد لقاءاته الصحفية إلى الصورة النمطية التي رسمها له الإعلام كلعب “أسود غاضب”.

لم يكن رايت بعيدًا عن قضايا العنصرية، بل واجهها في الملاعب وخارجها، وكان من أوائل الأصوات التي نادت بمحاسبة المسيئين، خاصة على المنصات الرقمية. كما دعم مبادرات دمج السجناء في المجتمع عبر كرة القدم، وشارك في مشروع “التوأمة” الذي أطلقه ديفيد دين، الرئيس السابق لأرسنال، عام 2018.

ورغم اعتزاله اللعب في عام 2000 بعد فترة قصيرة مع بيرنلي، فإن إرثه لم يتوقف. فقد استمرت مسيرته من خلال أبنائه، شون وبرادلي رايت-فيليبس، اللذين لعبا في الدوري الإنجليزي، ليحملوا شعلة اسم رايت إلى الجيل التالي.

وصفه الكاتب كلايف تشيغيوكي بأنه “أول من أعلن للعالم عن الدوري الإنجليزي الممتاز”، لكنه في الواقع كان أول من أثبت أن العزيمة يمكن أن تحطم القيود، وأن كرة القدم ليست مجرد رياضة، بل أداة لتغيير المصير.

زر الذهاب إلى الأعلى