اقتصاد

أزمة الكهرباء تضرب إيران: ارتفاع قياسي للحرارة وخسائر اقتصادية فادحة

تحولت أزمة انقطاع الكهرباء في إيران إلى واقع يومي مؤلم، خاصة مع تسجيل درجات حرارة تجاوزت 50 درجة مئوية في بعض المحافظات، مما فاقم معاناة المواطنين وتسبب في خسائر فادحة للقطاعات الصناعية. وتثير هذه الأزمة تساؤلات حول أسبابها والجدوى من الحلول المطروحة، لا سيما وأن إيران تمتلك ثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم بعد روسيا، لكنها تعاني من عجز في الاستهلاك المنزلي خلال فصل الشتاء.

تحديات الطاقة والبيئة

في ظل النقص الحاد في إمدادات الغاز الشتوية، تلجأ محطات الطاقة الإيرانية إلى استخدام المازوت، مما يؤدي إلى تفاقم تلوث الهواء. ورغم قرار الحكومة بخفض الإنتاج لحماية البيئة، إلا أن هذا الإجراء عمّق أزمة الكهرباء. في محاولة للسيطرة على الأزمة، أغلقت الحكومة المدارس والجامعات مؤقتًا وقلصت ساعات العمل في القطاع الإداري، قبل أن تعلن عن خطة لترشيد استهلاك الكهرباء لمدة ساعتين يوميًا في جميع أنحاء البلاد.

مع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الطلب على الطاقة، تتصاعد وتيرة انقطاع الكهرباء في بعض المناطق، مما يثير استياءً شعبيًا كبيرًا بسبب تأثيراته السلبية على صحة كبار السن والمرضى والرضع، بالإضافة إلى عرقلة عجلة الصناعة. ويحذر مراقبون من تفاقم الأزمة في الفترة المقبلة.

أزمة وشيكة وخسائر متراكمة

يعتقد الباحث الاقتصادي علي كرطلائي أن أزمة الكهرباء في طريقها للتحول من مشكلة قابلة للحل إلى أزمة شاملة، عازيًا السبب الرئيسي في ذلك إلى تزايد الطلب على الكهرباء نتيجة للنمو السكاني، التطور التكنولوجي، وانتشار الصناعات. يحذر كرطلائي من مغبة استمرار الفجوة المتزايدة بين تراجع العرض وزيادة الطلب.

ويضيف كرطلائي أن وحدات إمداد الكهرباء، بما في ذلك محطات الإنتاج ومعدات النقل، أصبحت متهالكة بسبب نقص الاستثمارات في السنوات الماضية. ويتوقع أن يؤدي استمرار هذا الوضع إلى اتساع نطاق الانقطاعات، وإلحاق أضرار جسيمة بالصناعات الإنتاجية، وإحداث حالة استياء اجتماعي عميقة قد تتحول إلى أزمة.

معاناة القطاعات وخسائر اقتصادية

تتسبب انقطاعات الكهرباء في مجموعة من المشكلات الإضافية في القطاع المنزلي، بما في ذلك انقطاع خدمات الصرف الصحي، والاتصالات، والإنترنت. وقد تحولت المعاناة اليومية جراء هذه الأزمة إلى موضوع ثابت على منصات التواصل الاجتماعي الإيرانية.

أثارت التداعيات السلبية لانقطاع الكهرباء على قطاع الإنتاج جدلاً حول أولوية القطاع الصناعي في سياسات تقنين الطاقة. ويعتبر رئيس لجنة الصناعات والمناجم في البرلمان الإيراني، رضا علي زاده، أن وعود الحكومة بعدم شمول المصانع بتقنين الطاقة لم تتحقق بعد، محذرًا من أن استمرار الوضع الراهن يشكل أحد أخطر التهديدات للاقتصاد الوطني بسبب توقف خطوط الإنتاج، مما يؤدي إلى تقليص فرص العمل وتراجع الصادرات وخسارة الأسواق الخارجية وزيادة عجز الموازنة.

من جانبه، ينتقد ممثل اتحاد أصحاب العمل في المجلس الوطني الأعلى للعمل، علي أصغر آهني، تأثر القطاع الصناعي بسياسات تقنين الطاقة، مشيرًا إلى تلف العديد من قطع الغيار أثناء انقطاع الكهرباء وعدم توفر بدائل محلية لها، مما يفاقم معاناة العمال وأصحاب العمل. ووفقًا لآهني، تسبب انقطاع الكهرباء في تعطيل 50% من طاقة المصانع في المدن الصناعية، بينما يتحمل أصحاب العمل تكاليف تعادل 5 أشهر من الرواتب خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الإيراني بسبب ضرورة دفع المكافآت والرواتب.

حلول مقترحة وجدل مستمر

في ظل تضارب التقارير حول حجم الأضرار، كشف الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الوطني تجاوزت 3000 تريليون ريال إيراني (3.65 مليارات دولار) خلال العام الإيراني الماضي (المنتهي في 21 مارس 2025). وأكد بزشكيان أن تركيز الحكومة ينصب على الطاقة النظيفة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والنووية، مشيرًا إلى أن التوجه المستقبلي هو الاعتماد على الكهرباء بدلاً من الغاز للتدفئة والتبريد في المنازل.

بينما تحدث بزشكيان عن ضرورة تطوير الألواح الشمسية ومعدات تخزين الطاقة، كشف أن “إيران تستهلك الكهرباء أكثر من 6 أضعاف الدول الأوروبية”، وأن هذا المسار يمكن تصحيحه بتعاون المواطنين.

أدت الخطة الحكومية لمعالجة الأزمة إلى انقسام في الأوساط الإيرانية بين من يعتبر أن “الحديث عن استبدال الغاز بالكهرباء في الوضع الراهن ضرب من الخيال” وآخر يرى في الخطة حلاً جذريًا للمشكلة. انتقدت صحيفة “جوان” المقربة من الحرس الثوري الخطاب الحكومي الذي يلقي اللوم على الشعب بسبب “الاستهلاك المفرط للكهرباء”، معتبرة أن الحديث عن الاعتماد الكلي على الكهرباء كبديل غير منطقي في ظل العجز الحاد في الطاقة وأنماط الاستهلاك الخاطئة.

في المقابل، يدافع الخطاب الحكومي عن فكرة استبدال الغاز بالكهرباء لتفاقم أزمة تلوث الهواء في فصل الشتاء بسبب استخدام الطاقة الأحفورية، ولإمكانات البلاد الهائلة في إنتاج الطاقة من الشمس والرياح، بالإضافة إلى أن توجيه الغاز إلى محطات إنتاج الكهرباء سيرفع الإنتاجية ويسمح بتصدير الفائض.

يستنتج الأكاديمي هاشم أورعي أن فكرة استبدال الغاز بالكهرباء صحيحة نظريًا، لكنها غير عملية في الظروف الحالية بسبب غياب البنية التحتية والتكاليف الباهظة. وأشار أورعي إلى استثمار مليارات الدولارات في شبكة الغاز المنزلي خلال السنوات الماضية، وأن استبدال الأجهزة المنزلية التي تعمل بالغاز يتطلب استثمارات ضخمة ووقتًا طويلاً.

هل يمكن لإيران أن توازن بين احتياجاتها المتزايدة من الطاقة وحماية بيئتها في ظل هذه التحديات المعقدة؟

زر الذهاب إلى الأعلى