أزمة العقارات وثقة المستهلك.. عقبات تعصف بخطط شي جين بينغ لإنعاش الاقتصاد الصيني

كشفت بيانات حديثة عن تفاقم أزمة قطاع العقارات في الصين وتراجع ثقة المستهلكين، في وقت تسعى فيه بكين لإعادة توجيه النمو نحو الداخل وتقليل الاعتماد على التصدير، وهو ما يشكل عبئًا إضافيًا على خطط الرئيس شي جين بينغ.
وبحسب تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ، فإن الإجراءات الحكومية التي وُصفت خلال السنوات الأخيرة بأنها “شبه يائسة” لم تحقق نتائج ملموسة، حيث سجّل الاستثمار العقاري أكبر انكماش منذ صدمة جائحة كورونا عام 2020، بينما هبطت مؤشرات الثقة والاستهلاك إلى أدنى مستوياتها منذ عقود.
عقارات على حافة الانهيار رغم تدخل الدولة
أظهرت المؤشرات أن أسعار المنازل الجديدة والقائمة واصلت التراجع منذ أغسطس/آب 2021، مع تسارع الانخفاض خلال يوليو/تموز الماضي، خصوصًا في الوحدات السكنية الجديدة. كما انكمش الاستثمار العقاري بأكبر وتيرة منذ سنوات، في وقت تستعد فيه مجموعة إيفرغراند –التي كانت أكبر مطور عقاري في البلاد– للشطب من بورصة هونغ كونغ.
ورغم الإجراءات الحكومية المتكررة، من خفض أسعار الفائدة وتسهيلات الإقراض إلى محاولات استنساخ نموذج الإسكان الاجتماعي في سنغافورة، لم تُظهر السوق أي بوادر تعافٍ. حتى التعهد الذي أطلقه شي جين بينغ في سبتمبر/أيلول الماضي لوقف الانهيار و”استقرار السوق” ظل بلا أثر ملموس.
ثقة استهلاكية عند مستويات تاريخية متدنية
انعكست أزمة العقارات مباشرة على ثقة الأسر الصينية، التي لم تستعد توازنها منذ تداعيات الجائحة. وأكدت بلومبيرغ أن وعود الدعم الحكومية ومحاولات كسب ثقة القطاع الخاص لم تُجدِ نفعًا.
بل إن مزيدًا من المقترضين اتجهوا في يوليو/تموز الماضي إلى تسديد ديونهم بدلًا من طلب قروض جديدة، ما تسبب في أول انكماش للإقراض المصرفي منذ عقدين. كما أظهرت البيانات أن مبيعات التجزئة ارتفعت بنسبة 3.7% فقط على أساس سنوي، والإنتاج الصناعي بـ5.7%، بينما تراجع الإنفاق الاستهلاكي للشهر الثاني على التوالي، في وضع لم يشهده الاقتصاد منذ فترة الإغلاقات في 2022.
ويشير خبراء بلومبيرغ إيكونوميكس إلى أن ضعف “الزخم الذاتي” للاستهلاك بات واضحًا بعد انتهاء مفاعيل برنامج التحفيز الحكومي المرتبط باستبدال الأجهزة المنزلية والسيارات القديمة.
أزمة ائتمان قاتمة وتباطؤ نمو القروض
أظهرت بيانات الإقراض صورة أكثر قتامة؛ فالمؤشر الواسع للائتمان ارتفع في يوليو/تموز، لكن بدفع أساسي من إصدار السندات الحكومية لتسوية ديون السلطات المحلية المتعثرة. وتشير تقديرات بنك جيه بي مورغان إلى أن 55% من القروض الجديدة ذهبت فقط لتسديد فوائد ديون قائمة.
وبعد خصم الفوائد، لم يتجاوز نمو القروض 3.5% سنويًا، مقارنة بمتوسط 8% خلال الفترة بين 2016 و2023، وهو ما اعتبره محللون مؤشرًا خطيرًا على مستقبل الشركات وعلى نمو الناتج المحلي الإجمالي.
صادرات صامدة رغم الحرب التجارية
ورغم الضعف المحلي، سجّلت الصين مفاجأة إيجابية على صعيد الصادرات التي ارتفعت في يوليو/تموز بنسبة 7.2% لتصل إلى 322 مليار دولار، بفضل الشحنات الموجهة إلى الاتحاد الأوروبي وجنوب شرق آسيا وأستراليا، لتعويض التراجع المتواصل في الصادرات إلى الولايات المتحدة في ظل القيود التجارية المتزايدة.
حدود التحفيز وأولويات بكين
السؤال الأبرز يبقى: لماذا لا تطلق بكين حزم إنقاذ كبرى لدعم العقارات أو توسيع شبكة الأمان الاجتماعي؟ يشير التقرير إلى سببين رئيسيين:
- تركيز القيادة الصينية على دعم القطاعات التكنولوجية المتقدمة كأولوية إستراتيجية.
- محدودية القدرة على إطلاق برامج إنقاذ واسعة في ظل الانكماش الاقتصادي المستمر، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في الربع الثاني بنسبة 3.9% فقط، وهو أدنى مستوى منذ 1993 (باستثناء فترة الجائحة)، وأقل من نمو اليابان البالغ 4.2%.
جرس إنذار للاقتصاد الصيني
خلصت بلومبيرغ إلى أن البيانات الأخيرة تمثل إنذارًا حقيقيًا لبكين، إذ يواجه الاقتصاد مزيجًا من ثقة استهلاكية ضعيفة وانهيار عقاري وركود ائتماني، ما يحد من فرص إحداث تحول جذري في الطلب المحلي. ورغم استمرار قوة الصادرات، فإن الداخل الصيني يبدو غارقًا في أزمة قد تُهدد استقرار النمو على المدى المتوسط.