ثقافة

أحمد مطر.. شاعر اللافتات وصوت المقهورين

أحمد مطر، شاعر عراقي معاصر وُلد عام 1954، تميز بأسلوبه الساخر في معالجة القضايا السياسية والاجتماعية، حيث قدم من خلال قصائده صورة ناقدة لاذعة للواقع العربي بكل تناقضاته، بلغة ساخرة ومباشرة. ابتكر مدرسة شعرية خاصة أطلق عليها “اللافتات”، سرعان ما تحولت إلى ظاهرة أدبية فريدة، لاقت انتشارًا واسعًا وتربعت على صدر الصفحات الأولى للصحف والمجلات العربية لسنوات طويلة.

شاعر مُلاحق ومنفى ناطق

كان شعره نضالًا لا يقل خطورة عن الفعل السياسي، ما عرضه للقمع والملاحقة، ومنعت أعماله في عدد من الدول العربية، لينتهي به المطاف منفيًا في الخارج، حيث أصبح رمزًا للثورة ومصدر إلهام للمثقفين والشباب الطامح للتغيير.

النشأة والبدايات

وُلد أحمد بن حسن بن مطر في الأول من يناير عام 1954 في قرية التنومة بمحافظة البصرة جنوبي العراق، لأسرة فقيرة تتكون من عشرة أبناء وبنات. عاش طفولته بين أنهار قريته ونخيلها، قبل أن تنتقل العائلة إلى مدينة البصرة، ومنها إلى بغداد بفعل الظروف الاقتصادية القاسية، حيث عاش مع شقيقه الأكبر في منطقة الزعفرانية.

تأثر بوالدته، التي كانت شاعرة شعبية ترتجل القصائد في رثاء الراحلين، وتستحضر مآسي آل البيت. وقد انعكس هذا التأثر في نبرة الحزن والاحتجاج التي طبعت شعره.

التعليم والتكوين الثقافي

بدأ دراسته في مدرسة “العدنانية”، وأكمل المرحلة الإعدادية في مدرسة “الأصمعي”، لكنه اضطر لترك التعليم لاحقًا بسبب الملاحقات الأمنية. غير أن انقطاعه عن الدراسة النظامية لم يمنعه من التثقيف الذاتي، إذ دأب على ارتياد مكتبات بغداد، وقرأ بنهم في الأدب والشعر والفكر، ما أغنى رصيده الثقافي ومنحه وعيًا مبكرًا.

عرف عنه تجنبه للصراعات الأيديولوجية، وحرصه على الاحتفاظ بمسافة نقدية من جميع التيارات، وقد لخّص حياته بكلمات حزينة: “رجل وُلد ولم يعش، ومع ذلك سيموت”.

التجربة الشعرية

بدأ أحمد مطر كتابة الشعر في سن الرابعة عشرة، وكانت أولى قصائده غزلية مؤلفة من 17 بيتًا كشفت عن نضج لغوي وفني مبكر. ثم انتقل إلى نظم الشعر الديني، قبل أن يتحول إلى الشعر السياسي الحر، بتأثير من الأوضاع المتدهورة في بلده والمنطقة العربية.

استندت قصائده إلى التراث العربي والإسلامي، واقتبس من القرآن والحديث، واستحضر شخصيات تاريخية مثل صلاح الدين الأيوبي وعثمان بن عفان. كما تأثر بعمالقة الشعر العربي الكلاسيكي مثل المتنبي والمعري وأبي تمام، ومن الشعراء المعاصرين تأثر بالجواهري وأدونيس وأمل دنقل، وكان الأكثر تأثيرًا فيه مظفر النواب، فيما اقترب أسلوبه من نزار قباني في فضح الأنظمة ومهاجمة الفساد، كما استلهم تجربة الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس في الشعر السياسي.

شعر المقاومة والتحدي

كانت قصائده صوتًا صريحًا ضد الاستبداد، وقد تسببت له بالكثير من المتاعب، فسُجن أثناء خدمته العسكرية في الكوت بعد رفضه إلقاء قصيدة تمجّد النظام، وتعرضت أسرته لحوادث مأساوية يُعتقد أنها مدبرة، منها وفاة شقيقه زكي في حادث سيارة ومقتل شقيقه خالد شنقًا.

واصل إلقاء قصائده الثورية في البصرة، فبدأت الأجهزة الأمنية بملاحقته. وعندما اشتدت الملاحقات، اضطر إلى الهروب إلى الكويت، حيث بدأ عمله في التدريس، ثم انتقل إلى العمل الصحفي في صحيفة “الخليج العربي”، قبل أن ينضم إلى “القبس” كمحرر ثقافي.

ميلاد “اللافتات”

في عام 1980، نشر أولى “لافتاته” في صحيفة القبس، ليتحول هذا النمط إلى سمة مميزة لشعره، حيث اتخذ شكل القصيدة القصيرة، التي تتمحور حول فكرة واحدة، بأسلوب ساخر ولغة شعبية جريئة.

هاجم الحكام وأجهزتهم الأمنية، وفضح فساد النخب، كما لم يوفر الشعوب من نقده، إذ لام عليها صمتها واستكانتها، وهاجم فقهاء الأنظمة والثوريين المزيفين، معيدًا تعريف دور الشعر كأداة للتحريض والتغيير.

أصبحت قصائده تُقرأ في المدارس وتُلقى في المهرجانات وتُتداول في المجلات، واحتلت مكانة بارزة في المشهد الثقافي العربي، خاصة بين فئة الشباب.

صداقة مع ناجي العلي

في الكويت، التقى بالفنان الفلسطيني الراحل ناجي العلي، ورُبط بينهما رابط قوي جمع بين الكلمة والصورة. فكانت لافتات أحمد مطر تفتتح صحيفة القبس، فيما تُختتم برسوم ناجي العلي، في تكامل فني نادر، جسّد رؤية مشتركة لقضايا الأمة.

زر الذهاب إلى الأعلى