الأخبار الدولية

هل يظهر أن الشباب الأميركي أصبحوا أكثر تأييداً للقضية الفلسطينية؟

لا تزال تأثيرات عملية “طوفان الأقصى” والحرب الإسرائيلية الدامية على قطاع غزة تلقي بظلالها على الأوساط الطلابية في الولايات المتحدة. يُشير ذلك إلى انسحاب العديد من الطلاب من جامعة كولومبيا أثناء محاضرة لوزيرة الخارجية السابقة “هيلاري كلينتون” في إطار مقرر في الشؤون الخارجية على مبدأ تضامنهم مع القضية الفلسطينية. يتعلق الأمر بتصاعد الجدل بين الجامعة والطلاب المؤيدين لهذه القضية، حيث قامت شاحنات متوقفة قرب الحرم الجامعي بعرض صور للطلاب المناصرين لفلسطين على شاشات تحمل عبارة “المعادون الأبرز للسامية في كولومبيا”. وأكد الطلاب أن هذه الصور استُخرجت من منصة إلكترونية خاصة وآمنة تخص طلاب كلية الشؤون الدولية والعامة “SIPA”.

يجدر بالذكر أن هذا الموقف ليس حادثة منفردة في هذا السياق، حيث سبق أن أصدر ائتلاف يضم 34 منظمة طلابية من جامعة هارفارد بيانًا يدين نظام الفصل العنصري الذي يمارسه إسرائيل قبيل بدء عملية “طوفان الأقصى”. وقد أشار هذا البيان إلى أن مسؤولية الحرب والخسائر تقع بشكل كبير على عاتق حكومة الاحتلال الإسرائيلي المتطرف.

القضية الفلسطينية من منظور الجيل الأمريكي الجديد

يبدو أن دعم فئات واسعة من الأجيال الشابة في الولايات المتحدة للقضية الفلسطينية لم يأتِ مفاجئًا على الإطلاق. يُظهر البيانات الاستقصائية أن الأجيال الجديدة تبدي شكوكًا قوية تجاه سياسات إسرائيل. ففي مسح أجرته مؤسسة “غالوب” في مارس 2023، كان من الملفت للنظر أن الديمقراطيين من جيل الألفية (الذين وُلدوا ما بين 1980 و2000) أبدوا تعاطفًا متزايدًا مع القضية الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة، وهذا يتجاوز تعاطفهم مع دولة الاحتلال بنسبة 49% مقابل 38% على التوالي. هذا التحول يشكل مصدر قلق بالنسبة لأنصار إسرائيل، وخاصة في ظل تناقص نسبة الأجيال الأكبر سنًا (الجيل الصامت) في الولايات المتحدة مع زيادة نسبة جيل الألفية وأعضاء جيل زد.

اللافت أيضًا أن هذه التغيرات تنعكس أيضًا في صفوف اليهود. وفقًا لاستطلاع آخر أُجري بواسطة مركز أبحاث “بيو” في عام 2018 بين الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة، يرى معظم البالغين من اليهود أن الله لم يعطِ أرض إسرائيل للشعب اليهودي (نسبة 42%). والبيانات تظهر أن اليهود الأصغر سنًا أقل ارتباطًا بدولة الاحتلال بالمقارنة مع نظرائهم الأكبر سنًا، حيث يرتبط 48% من الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا بدولة الاحتلال مقارنة بـ 65% من الذين تجاوزوا سن الـ65.

ومن الملفت أيضًا أن هذا الانقلاب ليس مقتصرًا على الأجيال الشابة التي تشعر بتأثر بالقضية الفلسطينية في الوقت الحالي. وفي عام 2021، انضم العديد من الشبان اليهود الليبراليين إلى حركة “حياة السود مهمة” التي تدافع عن حقوق السود، وقاموا بالتعبير عن دعمهم لحقوق الشعب الفلسطيني في ظل أحداث حي الشيخ جراح. في عام 2014، أعلنت مجموعة من النشطاء اليهود، ومعظمهم من جيل الألفية، عن إطلاق حركة “إن لم يكن الآن” التي تناهض الاحتلال الإسرائيلي وتسعى لإنهاء الدعم الأمريكي له.

قبل أن يُفلت الزمام

يُلاحظ أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تسلط الضوء بعناية على هذه التحولات، حيث تدرك جيدًا مخاطر هذا التحول الملحوظ في الوعي بقضية فلسطين بين الأجيال الجديدة. إضافةً إلى الضغط المتزايد على حكومات الغرب المؤيدة لإسرائيل في الوقت الحالي، يشير هذا التحول إلى أنه مع تقدم هؤلاء الشباب في السن وتوليهم المناصب القيادية في بلادهم بنفس التوجهات الفكرية، يمكن توقع نهجًا أكثر توازنًا وإنصافًا في التعامل مع قضية فلسطين، مما يتسبب في آثار سلبية على دولة الاحتلال.

لمواجهة هذا التحول، اتخذت إسرائيل موقفًا صارمًا في مواجهة جميع الانتقادات الموجهة إليها من قبل الطلاب الجامعيين الأميركيين. على سبيل المثال، طلب مسؤولون تنفيذيون في “وول ستريت” قائمة بأسماء طلاب هارفارد الذين وقعوا على بيان الإدانة من أجل منع توظيفهم بعد التخرج، وهذا يمثل رسالة تخويف للطلاب ومن يفكر في مجرد محاولة الاقتداء بهم. وألغت شركة محاماة ذات مستوى عالي عروض عمل سابقة قدمتها لثلاثة من الطلاب الذين وقعوا على البيان. وهذا تزامن مع موجة انتقادات حادة تلقاها رؤساء الجامعات في ولاية بنسلفانيا وجامعة ستانفورد وجامعة هارفارد ومؤسسات أخرى من أنصار الاحتلال. وذلك بحجة عدم توضيحهم بما فيه الكفاية للطلاب طبيعة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليتبنوا وجهة نظر صهيونية. وشهدنا تتالي انسحاب الأثرياء الداعمين للمنح الجامعية من هارفارد، بما في ذلك “إيدان عوفر” و”ليزلي ويكسنر”.

في نفس السياق، قامت “الوكالة اليهودية للأنباء” (JTA) بوصم الطلاب الذين وقعوا على البيان بأنهم “العرب السود البنغاليين الباكستانيين أبناء جنوب آسيا والسيخ”، دون الإشارة إليهم كمواطنين أميركيين، مما يحمل طابعًا عنصريًا واضحًا. وفي تطور آخر، نُشِر بيان تحريضي ضد “إيلوم تيتي تاماكلو”، أحد خريجي هارفارد الذين وقعوا على البيان، وتم ذكر أسماء بعض الطلاب الذين شاركوا في التوقيع، مما دفع إلى دعوة لاتخاذ إجراءات ضد هؤلاء الذين وُصِفوا بأنهم “أعداء السامية في هارفارد”.

تشهد الأجيال الشابة توجهًا متزايدًا نحو التباعد والعزلة تجاه دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا التحول قد دفع بعض الصحف العبرية إلى التنويه بأهمية القلق بشأن مستقبل العلاقة بين إسرائيل واليهود الأميركيين. يتناول هذا التطور أيضًا خطورته على المصالح البعيدة المدى لإسرائيل، حيث يشير إلى تدهور النفوذ السياسي والاجتماعي للجالية اليهودية في الولايات المتحدة.

للتصدي لهذا التحول، اقترحت الإعلامية الإسرائيلية البارزة إفرات روزنبرغ أن يتم إعادة تشكيل رأي الأجيال الشابة عن طريق دعوتهم لزيارة إسرائيل والتعرف على تاريخها وثقافتها. وناشدت أيضًا بتعزيز التواصل مع الشباب في الخارج من خلال تقديم فرص عمل أو برامج دراسة أو فرص تطوعية. وتستشهد روزنبرغ بمعسكرات “كيماما” كنموذج، حيث تسعى هذه المعسكرات إلى إنشاء تجربة تعليمية مميزة للمشاركين. تأسست معسكرات “كيماما” في عام 2004 بهدف جلب مشاركين من 40 دولة مختلفة في الفترة العمرية من 6 إلى 17 سنة إلى دولة الاحتلال. وتم اختيار اسم “كيماما” بناءً على مفهوم أثر الفراشة في اللغة الشوشون الأميركية، حيث يُفسر اختياره بأن رفرفة أجنحة الفراشة في جانب واحد من العالم تسبب تأثيرات في الجانب الآخر.

بالإضافة إلى ذلك، يعتمد الاحتلال على مجموعة من الوجوه الإعلامية التي تحظى بشعبية بين الأجيال الشابة، مثل جوردان بيترسون وبن شابيرو، حيث قام كل منهما بزيارة إسرائيل وألقى خطبًا في مركز المؤتمرات الدولي في القدس. وقد تحدثا عن “سر اصطفاء الله للأمة اليهودية” في حدث تم تنظيمه برعاية صندوق “تكفاه”، وهو مركز أبحاث محافظ في دولة الاحتلال.

من الجدير بالذكر أن بن شابيرو يعتبر واحدًا من أبرز المنتقدين لنظام التعليم الجامعي الأميركي، ويروج لرؤيته الشخصية بأن ما يُقدمه الجامعات الأميركية لطلابها يمثل “ليبرالية متطرفة”، ويعتبر النظام الجامعي في الولايات المتحدة بأنه “آلة لغسيل الأدمغة”، ويشكو من أن اليساريين يهيمنون على الجامعات ويؤثرون على عقول الطلاب برؤيتهم. ويجدر بالإشارة إلى أنه يُعرف بأنه من الناشطين السياسيين المحافظين في الولايات المتحدة.

زر الذهاب إلى الأعلى