معرض الكتاب العربي في صور: الكلمة في مواجهة الحرب وتحية لغزة من الجنوب الجريح

بنكهة خاصة وطابع استثنائي، أطلّ معرض الكتاب العربي بنسخته العاشرة هذا العام من مدينة صور الجنوبية، رغم أنقاض الحرب وآثار الدمار الذي خلّفته الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على لبنان وغزة. فقد أصرّ المنظمون، وعلى رأسهم جمعية “هلا صور” الثقافية الاجتماعية، على إقامة المعرض في موعده، ليؤكدوا من جديد أن الثقافة فعل مقاومة، وأن الكلمة قادرة على الصمود في وجه الحروب والخراب.
انطلقت فعاليات المعرض في حرم الجامعة الإسلامية في صور، تحت شعار: “من جنوب لبنان تحية إلى غزة.. وحدة الدم والمصير”، في إشارة واضحة إلى الترابط العميق بين القضيتين اللبنانية والفلسطينية، وإلى وحدة الجرح والمقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
مشاركة واسعة ورسائل ثقافية مؤثرة
شهد المعرض مشاركة فاعلة من فعاليات لبنانية وفلسطينية وعربية، وضمّ مئات العناوين من كتب وروايات ودراسات فكرية وسياسية وأعمال أدبية موجهة للكبار والصغار، كما خُصصت أجنحة خاصة للقضية الفلسطينية ولتاريخ الجنوب اللبناني المقاوم، تأكيداً على دور الكتاب في حفظ الذاكرة الجماعية ونقل النضال من جيل إلى جيل.
الناشطة الحقوقية الفلسطينية سوسن كعوش أثنت على الرسالة التي يحملها المعرض، مشددة على أن “الثقافة هي العمق الاستراتيجي للمقاومة، ولا يمكن أن يستمر النضال دون إدراك حقيقي لتاريخ وجغرافيا الأرض التي ننتمي إليها”. واعتبرت أن مدينة صور، بما تحمله من رمزية، تمثل نقطة التقاء وجداني بين فلسطين ولبنان، وتقول: “عندما أشم هواء صور، كأنني أتنفس فلسطين”.
الثقافة كأداة مقاومة
المديرة التنفيذية للمعرض عائدة خليل أكدت أن هذه النسخة من المعرض تحمل بعداً خاصاً، إذ تُعد بمثابة رسالة ثقافية صامدة موجّهة من لبنان إلى غزة، معتبرة أن “الغزو الثقافي أخطر من احتلال الأرض، لذا لا بد من مواجهته بالكتب والمعرفة”. وأضافت: “نحن نقاوم أيضاً بالكلمة، بالفكر، وبالإبداع، وهذه الدورة تتويج لعشر سنوات من الجهد والعمل الثقافي”.
الكاتبة ريم زيتون حضرت لتوقيع روايتها “خواطر ريموندا”، وعبرت عن اعتزازها بالزخم الجماهيري للمعرض، رغم ما شهده لبنان من حرب قاسية، داعية جيل الشباب إلى التمسك بالقراءة والكتابة كوسيلتين لتشكيل وعي ناضج وشخصية متزنة.
بدورها، وقّعت الكاتبة ريما عطوي إصدارها “صفعة حياة”، الذي يتناول تجارب حياتية وتحفيزاً نفسياً، معتبرة أن المعرض يمثل دفعة أمل في زمن الانكسارات، وأن الثقافة تعزز الانتماء وتثبت الهوية.
من صور إلى العالم
الروائية الشابة تالا حيدر، القادمة من بعلبك، شاركت بروايتيها الصادرتين باللغة الإنجليزية، مؤكدة أهمية مخاطبة الشعوب الأخرى والتعريف بالقضايا العربية على مستوى عالمي. وتقول: “نحن بحاجة إلى إيصال ثقافتنا إلى الخارج، خاصة في ظل ما نعيشه من أزمات سياسية واقتصادية”.
أما الفنانة التشكيلية سارة حدرج، فاختارت التعبير عن أفكارها من خلال اللوحات، مشيرة إلى أن الرسم لغة موازية للكلمة في إيصال الرسائل الإنسانية والوطنية، وأن المعرض يمثل مساحة للتعبير الحر عن الهموم المشتركة.
توثيق الذاكرة الفلسطينية
ومن أبرز أركان المعرض، جناح خاص يوثّق الذاكرة الفلسطينية، عبر عشرات الصور الأرشيفية التي ترصد التراث والانتهاكات الإسرائيلية منذ عام 1948 وحتى اليوم. ويقف عماد سعيد، رئيس جمعية “هلا صور”، متأملاً الصور، مشدداً على أن “الصراع مع الاحتلال هو صراع وجود لا حدود، وأن الكيان الصهيوني لا يستهدف فلسطين فحسب، بل يتربص بكل المنطقة”.ويضيف: “في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية، نُصر على استمرارنا في هذا النشاط الثقافي، لأن المعركة مع هذا العدو تمتد إلى ميدان الفكر والهوية. وبهذا المعرض، نعلن أن لا تطبيع مع الاحتلال، وأن الثقافة ستظل جدار الصد الأول”.