حماية الأطفال على الإنترنت: تشديد الإجراءات وتوسيع المسؤوليات

تُعد حماية الأطفال والمراهقين على الإنترنت من أبرز التحديات التي تواجه الحكومات منذ انطلاق شبكة الإنترنت وظهور منصات التواصل الاجتماعي. وللتصدي لهذا التحدي المتنامي، تعاونت الحكومات مع شركات التكنولوجيا لوضع قوانين وإجراءات تهدف إلى تقنين استخدام الأطفال لهذه المنصات والحد من المخاطر التي تهدد سلامتهم.
ورغم الجهود المتواصلة، لم تحقق هذه المساعي النجاح المنشود دائمًا، إذ غالبًا ما يلجأ المجرمون إلى أساليب ملتوية للوصول إلى الأطفال، كما أن بعض الأطفال يتجاوزون القيود التقنية عبر إنشاء حسابات باستخدام أعمار وهمية.
وفي محاولة جديدة لكبح هذه الظاهرة، بدأت الجهات التشريعية في الولايات المتحدة اتخاذ تدابير أكثر صرامة، تلزم الشركات بإيجاد آليات فعّالة لا يمكن التحايل عليها للتأكد من أعمار المستخدمين، بهدف توفير حماية حقيقية للأطفال من المخاطر الرقمية.
تحديات التحقق من العمر
تُعد عملية التحقق من أعمار المستخدمين أحد أكثر الجوانب تعقيدًا، إذ يتطلب الأمر التوفيق بين حماية الخصوصية الشخصية، سواء للأطفال أو البالغين، وبين فعالية أدوات التحقق، كمنع المحتوى غير المناسب واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
تقليديًا، كانت مسؤولية التحقق من العمر تقع على عاتق منصات التواصل الاجتماعي نفسها، دون انتهاك خصوصية المستخدم. على سبيل المثال، طورت “إنستغرام” أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي تُدعى “Adult Classifier”، تقوم بتحليل المنشورات والتعليقات وتواريخ التهاني بعيد الميلاد لتقدير عمر المستخدم.
في المقابل، تعتمد منصات أخرى على شروط الاستخدام وبعض البنود القانونية التي تُحمل المستخدم مسؤولية الإدلاء بمعلومات كاذبة، وتلقي باللوم على الأهل في حال اكتشاف أعمار وهمية.
لكن رغم بعض النجاحات، فشلت هذه الأساليب في الحد من الظاهرة بشكل فعال، وظلت الثغرات قائمة، إذ تمكن بعض البالغين من التظاهر بأنهم أطفال، والعكس كذلك.
يوتا تنقل المسؤولية إلى متاجر التطبيقات
في خطوة تنظيمية غير مسبوقة، أقرت ولاية يوتا الأميركية قانونًا جديدًا ينقل مسؤولية التحقق من أعمار المستخدمين إلى متاجر التطبيقات، مثل “غوغل بلاي” و”آب ستور”. بموجب هذا القانون، لا يُسمح بتحميل تطبيقات التواصل الاجتماعي إلا بعد التحقق من عمر المستخدم من قبل الجهة المالكة للمتجر.
القانون الجديد، الذي يحظى بدعم من شركات تقنية كبرى أبرزها “ميتا”، يقوده النائب الجمهوري سبنسر كوكس، الذي يرى أن الأطفال ليسوا مؤهلين قانونيًا لعقد اتفاقيات مع الشركات، ويجب أن يكون الآباء جزءًا من هذه العلاقة التعاقدية.
وبينما بدأت يوتا تطبيق هذا النهج، تستعد ولايات أميركية أخرى مثل ساوث كارولاينا وداكوتا لاتخاذ خطوات مماثلة، وسط توقعات بأن يتم إقرار هذه القوانين على مستوى دستوري في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
لماذا تم اختيار متاجر التطبيقات؟
تتمتع شركات مثل “غوغل” و”آبل” بقدرات فنية وقانونية متقدمة تتيح لها الوصول إلى بيانات المستخدمين والتحقق من أعمارهم في مناسبات عدة، ما يجعلها طرفًا أكثر ملاءمة لتحمّل هذه المسؤولية مقارنة بمنصات التواصل الاجتماعي.
كما توفر هذه الشركات أدوات الرقابة الأبوية المدمجة في أنظمة التشغيل، مما يعزز قدرتها على منع الأطفال من تحميل التطبيقات أو استخدامها دون إذن.
موقف غوغل واقتراح بديل
رغم دعم القانون من قبل بعض المنصات، أعربت “غوغل” عن تحفظها، معتبرة أن القانون ينقل العبء والمسؤولية من المنصات إلى متاجر التطبيقات دون مبرر كافٍ، ما قد يعرض خصوصية المستخدمين، وخاصة الأطفال، لمزيد من المخاطر.
واقترحت “غوغل” بديلاً يتمثل في الاحتفاظ ببيانات الأعمار لديها دون مشاركتها مع الشركات الأخرى، مقابل تقديم “ضمانة” تؤكد أن المستخدم تجاوز السن القانوني. هذا الاقتراح لقي تأييدًا من جيمس بي ستير، المدير التنفيذي لمنظمة “كومون سينس ميديا”، رغم إقراره بأنه ليس حلاً نهائيًا للمشكلة، داعيًا المنصات إلى مراجعة محتواها وتعديله ليتناسب مع الفئات العمرية الأصغر.
انتقادات لمفهوم التحقق من العمر
من جانب آخر، تواجه آليات التحقق من العمر انتقادات من جهات مدافعة عن الحريات الرقمية، مثل منظمة “إلكترونيك فرونتير”، التي ترى أن هذه الإجراءات تنطوي على جمع مفرط للبيانات الشخصية، وتخدم في النهاية أهداف شركات الإعلانات أكثر من حماية الأطفال.
وتحذر المؤسسة من أن فرض القيود الشديدة قد يدفع الأطفال إلى التحايل عليها بطرق جديدة، أو استخدام مواقع لا تلتزم بالضوابط القانونية، مما قد يعرّضهم لمخاطر أكبر.