اقتصاد

تصاعد الأزمة الاقتصادية وانفجار وشيك في الضفة بفعل سياسات إسرائيل

بصمود الحكومة الإسرائيلية على قرار اقتطاع جزء من الأموال الضريبية الفلسطينية، يشهد الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية تفاقمًا يمكن أن يؤدي إلى انفجار اجتماعي حتى نهاية يناير على الأقل، وهو ما أشار إليه خبراء استشرفوا ذلك في حديثهم للجزيرة نت. في الثلاثين من أكتوبر الماضي.

أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش تجميد الأموال المتعلقة بالمقاصة الفلسطينية، ردًا على عدم إدانة السلطة الفلسطينية لعملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها المقاومة في المستوطنات القريبة من غزة. وتنص الاتفاقيات بين الطرفين على أن تقوم إسرائيل بتحصيل 3% من الضرائب المفروضة على البضائع الواردة إلى الضفة وغزة.

وتحول هذه الأموال شهريًا إلى السلطة الفلسطينية، ويُعرف هذا الإجراء بـ”المقاصة”. وفي الوقت نفسه، يُغلق الباب أمام نحو 200 ألف عامل فلسطيني، مما يزيد من الضغط الاقتصادي على الضفة الغربية، وقد يفتح الباب على مصراعيه أمام انفجار اجتماعي.

خصم بذرائع مختلفة

المقاصة تُعتبر المصدر الرئيسي الذي يُساعد السلطة الفلسطينية في صرف رواتب موظفيها، ولكن تعتاد سلطات الاحتلال تقليص هذه الأموال بمبررات متنوعة، مما يدفع السلطة إلى رفض استلامها. تقدر وزارة المالية الفلسطينية قيمة المقاصة الشهرية بحوالي 750 مليون شيكل (202 مليون دولار)، بينما يُقدر حجم الاحتجاز في غزة بنحو 270 مليون شيكل (73 مليون دولار).

بالإضافة إلى الاحتجازات في غزة، تشمل الاقتطاعات دفعات متعددة لعائلات الأسرى والشهداء، وتكاليف الكهرباء والماء، وديون المستشفيات، وأسباب أخرى، مما يجعل إجمالي الاقتطاعات الشهرية يصل إلى نحو 600 مليون شيكل (162 مليون دولار).

بفعل هذه الاقتطاعات، تجد السلطة الفلسطينية نفسها غير قادرة على دفع رواتب موظفيها، مما دفعها في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى صرف سلفة تعادل نصف الراتب لموظفي القطاع الحكومي عن شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

بجانب الاقتطاعات الإسرائيلية، يعاني نحو 200 ألف فلسطيني من منعهم من الوصول إلى أماكن عملهم داخل إسرائيل، مما يُشكل عبئًا إضافيًا يتسبب في توسع دائرتي البطالة والفقر.

وتتجاوز هذه التحديات لتشمل ركودًا اقتصاديًا وتراجعًا في مختلف القطاعات في الضفة الغربية، بالإضافة إلى دمار وحصار قطاع غزة الذي استمر لأكثر من شهرين. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى فقدان اقتصاد فلسطين بأكمله أكثر من 12% من قيمته، أي ما يعادل 2.5 مليار دولار، في صدمة اقتصادية غير مسبوقة.

حلول أو انفجار؟

يتوقع الخبير الاقتصادي في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، رابح مراد، أن يؤدي التطورات الحالية إلى انفجار الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية خلال يناير/كانون الثاني القادم، إذا لم تتم إيجاد حلول فعّالة. يُظهر تقديره أنه حتى نهاية يناير، قد يواجهون أزمة اقتصادية كبيرة جدًا في حال استمرار منع الحكومة الإسرائيلية لعودة العمال، الذين يشكلون القوة الشرائية الرئيسية في الضفة الغربية، وتبلغ قيمتهم حوالي 900 مليون شيكل شهريًا، أي ما يقارب 3 مليارات شيكل منذ بداية الحرب حتى نهاية ديسمبر.

يشير مراد إلى الخسائر التي تقدر بحوالي 900 مليون شيكل نتيجة لعدم دخول مواطني الـ48 إلى الضفة للتسوق والدراسة وأغراض أخرى، بالإضافة إلى خسائر غير مباشرة نتيجة لتأثر وتوقف قطاعات متعددة. ويؤكد على أنه مع نهاية يناير، في حال عدم تحقيق تقدم، قد يشهدون أزمة اقتصادية غير مسبوقة تؤثر على الاستقرار السياسي والاقتصادي بشكل كبير، تجاوزت حتى تأثير فترة الانتفاضة الأقصى (2000-2004) وفترة جائحة كورونا (2020).

مراد يرى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه صعوبة في الحصول على موافقة الجيش والشرطة لعودة العمال، وكذلك يتعرض لضغوط أميركية لوقف اقتطاعات المقاصة أو إعادة العمال. في ظل تراجع الدعم الأوروبي بسبب شروط التجديد السياسي، يكون السلطة مضطرة للتكيف والاعتماد على “التبرع العربي السخي”، ولكن ذلك أيضًا غير مضمون بسبب متطلبات التغيير والإصلاحات.

وفيما يتعلق بفرص اللجوء إلى البنوك، يرى مراد أن هناك تحديات في استرداد الديون سواء في غزة أو الضفة، مما يقلل من قدرة البنوك على تقديم المساعدة، وبالتالي فإن هذا الخيار لا يعد حلا فعّالا للأزمة. بيانات وزارة المالية الفلسطينية حتى نهاية سبتمبر تشير إلى حجم ديون محلية يقدر بحوالي 3.4 مليار شيكل، منها مليار شيكل تقريبًا للبنوك.

ورقة الضغط الوحيدة

وفقًا لتقديرات الخبير الاقتصادي والمحاضر في جامعة النجاح الوطنية، الدكتور نائل موسى، فإن السلطة الفلسطينية وصلت إلى مأزق صعب حيث لا تجد سبيلًا للتقدم أو التراجع. يشير موسى إلى أن 70% من إيرادات السلطة تعتمد على المقاصة، بينما تشكل 30% إيرادات محلية، وفقدان أي منهما سيؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي.

بخصوص الخيارات المتاحة أمام السلطة، يقترح موسى ضرورة الاعتراف بفشلها في تحمل المسؤوليات ومنح الموظفين، بما في ذلك القوات الأمنية، إجازات بدون رواتب. كما يعتبر تسريح موظفي الأمن، الذين يبلغ عددهم حوالي 70 ألفا، خطوة ضرورية قد تشكل أداة ضغط في يد السلطة لمواجهة ضغوط الحكومة الإسرائيلية.

في حال تبنت السلطة هذه الإجراءات، يرى موسى أن ذلك سيقوي الجانب المؤيد لصرف المقاصة في الجانب الإسرائيلي، الذي يخشى من انفجار الوضع في الضفة، وسيؤدي إلى تضعيف موقف وزراء التطرف وخاصة وزير المالية.

ويختم موسى تقديراته بالقول إن الوضع في الضفة يواجه احتمالًا كبيرًا للانفجار، ويعتمد توقيت ذلك على قدرة المجتمع المنهك بالديون، ولكن يؤكد أن ذلك قد يحدث في غضون أسابيع معدودة.

زر الذهاب إلى الأعلى