الصحة

الذكاء الاصطناعي يُحدث ثورة في القطاع الطبي ويعيد الإنسان إلى قلب الرعاية الصحية

يشهد القطاع الصحي تحولاً جذرياً بفضل التقنيات الحديثة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، الذي بات يلعب دوراً متنامياً في تعزيز جودة الرعاية الطبية، وتحسين كفاءة الأداء، وتسهيل تجربة المرضى والعاملين في المجال الصحي على حد سواء.

ففي السنوات الأخيرة، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من النظام الصحي العالمي، إذ يتوفر حالياً أكثر من 600 جهاز طبي مدعوم بهذه التقنية في الأسواق، ما يؤكد اتساع نطاق استخدامه وتأثيره.

ويوضح الدكتور برينان شبيغل، مدير أبحاث خدمات الصحة في مركز “سيدارز-سيناي” الطبي بالولايات المتحدة، أن “الذكاء الاصطناعي يُحدث ثورة في آليات التشخيص والعلاج وإدارة شؤون المرضى”، مشيراً إلى التحول العميق الذي أحدثته هذه التكنولوجيا في بنية الرعاية الصحية التقليدية.

تبسيط الإجراءات ودعم الأطباء

يسهم الذكاء الاصطناعي في تسريع الإجراءات الطبية وتحسين الكفاءة التشغيلية داخل المستشفيات، من خلال جمع بيانات المرضى، وتصنيف الحالات بدقة، وتوثيق المعلومات بطريقة تلبي متطلبات شركات التأمين، مما يقلل الأعباء الإدارية على مقدمي الرعاية.

وفي هذا السياق، يقول الدكتور جوناثان وينر، المدير الطبي للرعاية الأولية في “سيدارز-سيناي”: “الذكاء الاصطناعي أداة فعالة، لكنه لا يحل محل الطبيب، بل يعزز قدرته على التشخيص وتحديد أنسب مسار للعلاج”. ويضيف: “إذا تم تضمين الاحتياطات الأخلاقية المناسبة، يمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً تقليل الانحياز البشري في الممارسات الطبية”.

وتتيح خوارزميات الذكاء الاصطناعي للأطباء إمكانية التعامل مع كميات ضخمة من البيانات الطبية بسرعة فائقة، وتحليل صور الأشعة والرنين المغناطيسي واكتشاف التغيرات الدقيقة غير المرئية للعين البشرية، فضلاً عن مراقبة العلامات الحيوية للمرضى بشكل لحظي وإطلاق التحذيرات عند الحاجة.

يقول شبيغل: “بإمكان الذكاء الاصطناعي إجراء التشخيصات الدقيقة وتقديم تفسيرات مفصلة تشبه إلى حد كبير تلك التي يقدمها طبيب متمرس”.

دقة تفوق العين البشرية في تشخيص الأمراض

من أبرز الأمثلة على كفاءة الذكاء الاصطناعي في التشخيص، قدرته على رفع معدلات اكتشاف السلائل في القولون أثناء التنظير، وذلك عبر تحليل الفيديوهات الطبية المباشرة وتحديد المؤشرات المرضية بدقة قد تتجاوز أحياناً قدرة الإنسان.

وسلائل القولون، التي تُعد أوراماً حميدة سابقة للتسرطن، يمكن الكشف عنها مبكراً بفضل هذه التقنيات، مما يقلل مخاطر الإصابة بسرطان القولون لاحقاً.

تجربة إنسانية أكثر إنصافاً للمريض

رغم أن الذكاء الاصطناعي يُدار بالبرمجيات والخوارزميات، إلا أنه يتيح للطبيب وقتاً أطول للتفاعل الإنساني مع المريض. فبدلاً من الانشغال بتدوين الملاحظات خلال الفحص، يتولى النظام الذكي عملية التوثيق، مما يفسح المجال للطبيب للتركيز على احتياجات المريض.

يوضح الدكتور وينر: “يخفف الذكاء الاصطناعي العبء الإداري، ما يعيد الأطباء إلى دورهم الأساسي: الاستماع إلى المرضى وفهمهم”.

وفي المستقبل، قد تصل قدرة الذكاء الاصطناعي إلى إجراء مقابلات مع المرضى، واقتراح التشخيصات، وطلب التحاليل أو الأشعة، وحتى إصدار وصفات طبية. ومع ذلك، لا يزال دور الطبيب أساسياً ولا غنى عنه.

ويختم شبيغل قائلاً: “يمكن للذكاء الاصطناعي محاكاة التعاطف، لكنه لا يمكنه قراءة لغة الجسد أو التواصل الإنساني الحقيقي. فالعلاقة بين الطبيب والمريض تبقى جوهرية ولا يمكن استبدالها”.

تجارب ناجحة في غرف الطوارئ

وفي خطوة عملية، أطلقت جامعة ألبرتا في كندا عام 2024 مشروعاً تجريبياً لاستخدام الذكاء الاصطناعي في غرف الطوارئ بهدف تخفيف الأعباء الإدارية عن الأطباء وتحسين جودة الرعاية.

ويهدف المشروع، الذي يقوده الدكتور جيك هايوارد، إلى تطوير أداة ذكية لتدوين الملاحظات الطبية، من خلال ثلاث مراحل تتضمن: تحسين الأداة بما يلائم احتياجات أقسام الطوارئ، وإنشاء أنظمة متوافقة مع خصوصية المرضى، ثم اختبارها في مستشفيات مختلفة بكندا.

التشخيص الدقيق والتصوير الطبي

أثبت الذكاء الاصطناعي تفوقه في مجالي التشخيص والتصوير الطبي، حيث أظهر قدرة فائقة على قراءة صور الأشعة السينية والتصوير المقطعي والرنين المغناطيسي بدقة عالية واتساق أكبر من الأطباء البشر.

كما ساعدت هذه التقنية في الكشف المبكر عن أمراض معقدة مثل عقيدات الرئة أو أورام الثدي، ما ساهم في تحسين فرص العلاج والنجاة.

وفي تطور لافت، أصبح الذكاء الاصطناعي قادراً على تشخيص أمراض نادرة عبر تحليل الأعراض والتاريخ المرضي، متجاوزاً في بعض الحالات قدرات الفرق الطبية التقليدية.

الإنسان والآلة: تكامل لا استبدال

رغم ما يقدمه الذكاء الاصطناعي من إمكانيات مذهلة، يبقى الأطباء في صميم العملية الطبية، إذ إن أفضل النتائج تُحقق عند الجمع بين دقة الآلة وبصيرة الإنسان.

وفي النهاية، يظل الذكاء الاصطناعي أداة قوية تدعم العاملين في القطاع الصحي، لكنه لا يمكن أن يحل محل التعاطف الإنساني والرؤية الشمولية التي يملكها الطبيب الماهر.

زر الذهاب إلى الأعلى