الأخبار الدولية

الأزمة النفسية في إسرائيل والثبات الفلسطيني – لماذا يعيش الإسرائيليون حالة هلع بينما يظل الفلسطينيون صامدين؟

“أصداء “طوفان الأقصى”: الأزمة النفسية تتسارع في المجتمع الإسرائيلي

تعمل أصداء هجوم “طوفان الأقصى” على إثارة تأثيرات نفسية قوية داخل المجتمع الإسرائيلي. تظهر فترة الهدنة أنها استطاعت تسليط الضوء على آثار نفسية مدمرة لهجوم المقاومة في أكتوبر 2023 وردود الفعل التي تلتها من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. يبدو أن المجتمع يعاني من “أزمة نفسية عميقة” قد لا يكون سهلًا تجاوزها.

وفي هذا السياق، نشرت صحيفة “هآرتس” تقريرًا حول مشاهد إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين خلال صفقة التبادل مع المقاومة الفلسطينية، ووصفتها بـ “التعذيب النفسي الضروري”. وتقسم إسرائيل نفسها بين الباكين على الأرائك ومشاهدة إطلاق الأسرى وبين الذين يواسونهم، مما يؤدي إلى تبديل الأدوار في كل مساء.

وأظهرت مؤسسة “مكابي للخدمات الصحية” أن عدد وصفات الأدوية النفسية، بما في ذلك مهدئات الطبيب ومكافحة الاكتئاب، ارتفع بنسبة 20% في أكتوبر 2023 مقارنة بالشهر السابق، مما يعكس حالة الاكتئاب المتزايدة. وتشير تقارير أخرى من مؤسسة “كلاليت” إلى زيادة بنسبة 11% في وصفات الأدوية النفسية في نفس الفترة، مع تسارع الطلب على مضادات الاكتئاب والقلق.

تكشف هذه الزيادات الواضحة عن الأثر النفسي العميق للأحداث الأخيرة في المجتمع الإسرائيلي، مما يبرز حاجة متزايدة للدعم النفسي والعناية بالصحة النفسية لمواجهة التحديات النفسية المتنامية.”

عقدة التفوق.. حين ارتدت خرافة الاحتلال بنتائج عكسية

“فهم الأزمة النفسية في المجتمع الإسرائيلي: عقدة التفوق كآلية دفاعية

إحدى الافتراضات التي يمكن أن تسلط الضوء على التحديات النفسية التي يواجهها المجتمع الإسرائيلي هي نظرية “عقدة التفوق” التي وضعها العالم النمساوي للنفس، ألفرد أدلر، في كتابه “فهم الطبيعة البشرية”. يشير أدلر إلى أن عقدة التفوق هي سلوك يعتقد الشخص فيه أنه تفوق على الآخرين، ويتسم غالبًا بالتفاخر والاستعلاء تجاه المحيط. يرى أدلر أن هذه العقدة تعتبر آلية دفاع ضد مشاعر النقص وتدني الذات، ويشير إلى الارتباط الوثيق بين عقدة التفوق وعقدة النقص.

تنطبق فرضية أدلر بشكل كبير على المجتمع الإسرائيلي، حيث يشكل التفوق جزءًا من الهوية الوطنية الإسرائيلية، ويتجلى في مفاهيم دينية مثل “شعب الله المختار” و”أرض الميعاد”. يرتبط ذلك أيضًا بالادعاءات التي تُقدمها إسرائيل بشأن تفوقها في مختلف المجالات وكونها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. ومع ذلك، يُظهر يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول كيف يمكن أن يؤدي هجوم المقاومة الفلسطينية إلى تكسير هذا الوهم وكشف التحديات الحقيقية.

يشير المستشار النفسي مايكل شراينر إلى أن المعرفة تُعَدُّ شيئًا خطيرًا لأولئك المصابين بعقدة التفوق، حيث تكشف عن مشاعر الدونية والنقص. يعكس التشاؤم المتزايد في المجتمع الإسرائيلي تدهور الحالة النفسية للأفراد، مما يظهر واقع آلامهم النفسية.

يعكس هذا التشاؤم الجماعي تحديات نفسية تتطلب دعمًا نفسيًا وعناية صحية نفسية للتغلب على هذه التحديات المتزايدة.”

شعب محروث لبذور الخوف

“تضاف الصورة التشاؤمية لاستدعاء نبوءة الزوال إلى مجموعة مشاعر الخوف الجامحة داخل المجتمع الإسرائيلي. يبرز الخوف المستمر لدى اليهود من فكرة “الإبادة الجماعية” كيف تتفحص إسرائيل العالم وكيف تتعامل مع التحديات، حيث تميل إلى التحديات العنيفة، كما تظهر في العدوان الذي تشنه على قطاع غزة. يثير الأكاديمي الإسرائيلي دانيال بار تال تساؤلات حول سبب تفوق الخوف على الأمل في المجتمع الإسرائيلي.

يرى تال أن عاطفة الخوف تأتي غالبًا من الماضي، مستندة إلى المصادر التوراتية وروايات الاضطهاد، وهي ما يشكل ما يُعرَف بـ”العدوان الوقائي” الذي ينتهجه الاحتلال بين الحين والآخر. يرى تال أن الأمل يتطلب نشاطًا معرفيًا وأفكارًا جديدة، وهو ما يُعيقه التدخل التلقائي وغير الواعي للخوف، حيث تكون الروابط العاطفية أقوى من تلك المتاحة في الاتجاه المعاكس.

يسلط تال الضوء على الأدب الإسرائيلي الذي حوَّل الفرد العربي إلى كابوس شرير، وكيف أسهم ذلك في غرس مشاعر الخوف بشكل مبكر لدى الأطفال. يُتَّهَم الصحافة الإسرائيلية بدورها في تطوير الخوف الجماعي ونشر عقلية الحصار من خلال التأكيد المتكرر على وجود عالم مُعادٍ للسامية وإسرائيل. يعزى تال الهشاشة النفسية في المجتمع الإسرائيلي منذ بداية ‘طوفان الأقصى’ إلى هذا السياق المستشري للتخويف.”

فلسطين والمرونة النفسية.. دعوة للتأمل دون مبالغة

“من ناحية أخرى، يظهر الصمود النفسي للفلسطينيين بشكل مدهش منذ نكبة عام 1948. تُظهر ورقة بحثية بعنوان “البيئة الاجتماعية للمرونة والصمود لدى الفلسطينيين” أن الصمود يشكل فكرة فلسطينية متراكبة على المستويين الفردي والجماعي. يعكس البحث أن جذور المرونة النفسية في التاريخ العربي تمتد إلى سيرة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وعقيدة العالم العربي “أبي زيد البلخي” في القرن العاشر الميلادي. تركز التحرير الفلسطينية في 1978 على الصمود كاستراتيجية وطنية أساسية.

دراسة أخرى تبرز أهمية الرؤية الروحانية لتعزيز المرونة النفسية للشباب الفلسطيني، حيث يُعتبر الاعتقاد الديني مصدر قوة بالنسبة للشبان. تؤكد الدراسة أن تجاربهم في مواجهة التحديات أسهمت في صمودهم. وتوضح أن الشباب يعبرون عن هويتهم باستخدام عبارة “نحن فلسطينيون”، مما يظهر الترابط القوي في المجتمع الفلسطيني.

البروفيسورة ريتا جقمان، أستاذة الصحة العامة في جامعة بيرزيت، تُؤكد على قوة الترابط في المجتمع الفلسطيني، حيث يقوم الأفراد بتقديم الدعم المتبادل والتكامل مع الأسر والجيران. يُشدد على أن تقدير صمود الفلسطينيين يجب ألا يُستخدم لتجنب الاعتراف بالظلم الذي يتعرضون له، ويُشير إلى أهمية دعم إنساني ودولي للتغلب على تحديات الاحتلال وضمان حقوقهم الإنسانية.”

زر الذهاب إلى الأعلى